ينسب به فى الأشعار لطيبه، فإذا قدرنا أداة التشبيه فإنا نقول: مكان كأنه مرعى للعين، وكأنه كان للنسيب منزلا ومألفا، فهكذا يصنع بما هذا حاله، فينحل من مجموع ما ذكرناه ههنا أن كل ما كان من التشبيه المضمر الأداة، فإن تقدير أداة التشبيه إما أن يكون فى غاية القوة كالدرجة الأولى، وإما أن يكون فى نهاية الصعوبة والضعف كالدرجة الرابعة والخامسة، وإما أن يكون متوسطا كالدرجة الثانية والثالثة، ولا مزيد على ما أوردناه من هذا التقرير، وعلى الناظر إعمال نظره فى كل صورة ترد عليه فيما يتعذر من ظهور أداة التشبيه، وما لا يتعذر والله أعلم.
[الطرف الثانى فى بيان مواقع الإفراد والتركيب]
اعلم أنا قد أسلفنا أن التشبيه المضمر الأداة لا ينفك عن تلك الصور الخمس، وهى منطبقة على الإفراد والتركيب، ونحن الآن نورد كيفية انطباقها على المفرد والمركب فنقول:
أما الصورة الأولى فهى واردة فى تشبيه المفرد بالمفرد ومثاله قولنا: زيد الأسد، وزيد البحر، ومن هذا قوله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً
[النبأ: ١٠] ، وقوله تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ
[البقرة: ١٨٧] وقوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
[البقرة: ٢٢٣] فقوله فى ذكر اللباس من الاستعارات التى استبد بها القرآن ولم تأت فى غيره فى كلام منظوم ولا منثور، وهى من عجائب الاستعارة ودقيقها، وقوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
من الاستعارات البديعة أيضا، ومنه قوله تعالى: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ
[يس: ٣٧] فشبه انقطاع الليل من النهار بمنزلة سلخ الأديم عن المسلوخ، لشدة التحامه وصعوبة خروجه، وانقطاعه بالكلية، كما مثلناه وهذا التشبيه فى غاية المناسبة والملائمة لما هو له، ومن ذلك ما قاله أبو الطيب المتنبى:
وإذا اهتز للندى كان بحرا ... وإذا اهتز للوغى كان نصلا
وإذا الأرض أظلمت كان شمسا ... وإذا الأرض أمحلت كان وبلا
ومنه قوله أيضا فى هذا المثال:
خرجن من النقع فى عارض ... ومن عرق الركض فى وابل
فلما نشفن لقين السياط ... بمثل صفا البلد الماحل