وأما الصورة الثانية فإنما ترد فى التشبيه المفرد بالمركب، ومثال قوله صلّى الله عليه وسلّم:«الكمأة جدرى الأرض»«١» ومنه قول البحترى «غمام سحاب» وقول أبى تمام «أى مرعى عين» وقد أسلفناه، وهكذا ما حكيناه عن أمير المؤمنين، فإنه من باب تشبيه المفرد بالمركب، وهو كثير الدور، وأما الصورة الثالثة فمثالها قوله صلّى الله عليه وسلّم فى حديث معاذ «وهل يكب الناس على مناخرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم»«٢» كأنه قال كلام الناس كحصائد المناجل، ومن علامة هذه الصورة التى هى تشبيه المفرد بالمركب، أنه لا يكون المشبه به مذكورا، بل المذكور صفته، وهو الحصد، فيكون تقديره، الألسنة فى كلامها كالمناجل المحصدة فيكون على هذا تشبيه مفرد بالمركب، وأما الصورة الرابعة والخامسة فإنما يردان فى تشبيه المركب بالمركب، فأما الرابعة فمثلناها بقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ
[الحشر: ٩] كأنه قال المؤمنون فيما تلبسوا به من الإيمان وتمكنوا فيه كمن اتخذ دارا وتبوأها مسكنا، فقد ظهر لك بما ذكرناه صورة التركيب فيهما جميعا، ومن هذا قول أبى تمام:
نطقت مقلة الفتى الملهوف ... فتشكت بفيض دمع ذروف
وإذا أردنا إظهار تركيبه قلنا: دمع العين الباكية فى حالها كاللسان الناطق، وأما الخامسة فمثلناها بقول الفرزدق «ما ضر تغلب وائل» البيت وبقول البحترى «تعز فإن السيف» البيت وبقول الفرزدق أيضا «قوارص تأتينى» . ومتى أردت إظهار التركيب فى هذا فإنك تقول: هجاؤك فى حق هذه القبيلة بمنزلة بولة مجتمعة فى ملتقى البحرين، وهكذا قوله فى القوارص، كأنه قال: القوارص المجتمعة فى تأثيرها فى الألم والأذية، مشبهة بالقطر القليل الذى يجتمع فيملأ الإناء ونحو قوله «تعز» فإن تقدير ظهور التركيب فيه أن يقال: أنت فيما أصابك من فقد من فقدته، بمنزلة السيف الماضى وإن انقطعت حمائله وخلاه قائمه، فقد ظهر بما حققناه ههنا انطباق الصور الخمس على أقسام المفرد والمركب من غير مخالفة فى ذلك وبالله التوفيق.