مبالغة فى الرد على من أنكر المعاد الأخروى، وتكذيبا لمن حاك فى صدره استبعاد ذلك.
وثانيها تشبيه معنى بمعنى كقولك: زيد كالأسد فى شجاعته، وكالأحنف فى حلمه، وكإياس فى ذكائه، وكحاتم فى جوده، وكعنترة فى شجاعته، إلى غير ذلك من التشبيهات المعنوية. وثالثها تشبيه معنى بصورة، وهذا كقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ
[إبراهيم: ١٨] ، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ
[النور: ٣٩] مثّلها فى تلاشيها وبطلانها بأمرين أسرع ما يكون فى الزوال، وأعظم شىء فى البطلان، وهما الرماد مع شدة العصف، والتراب فى الصحارى، فإنهما عن قريب وكأنهما ما كانا، وما هذا حاله من التشبيه كثير الدور والجرى، ويختص بالبلاغة، لما فيه من إلحاق غير المحسوس بالمحسوس، وإجرائه مجراه. ورابعها تشبيه صورة بمعنى وهذا كقول أبى تمام:
وفتكت بالمال الجزيل وبالعدا ... فتك الصبابة بالمحب المغرم
فشبه فتكه بالمال، وبالعدا، وذلك من الصورة المرئية، بفتك الصبابة وذلك أمر معنوى ليس محسوسا، وهذا من لطيف التشبيهات وأرقها وأدخلها فى البلاغة، وأدقها، ووجه البلاغة فيه هو إلحاق المعانى بالأمور المحسوسة المدركة فى الظهور والجلاء، فيصير فى الحقيقة كأنه تشبيه محسوس بمحسوس، وفى هذا نهاية المبالغة ومنه قول بعض المغرمين:
ولقد ذكرتك والظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق
وكقول بعضهم:
كأن ابياض البدر من تحت غيمه ... نجاة من البأساء بعد وقوع
وكقول بعض الأدباء:
فانهض بنار إلى فحم كأنهما ... فى العين ظلم وإنصاف قد اتفقا
وكما قال بعض الطلاب:
رب ليل كأنه أملى في ... ك وقد رحت عنك بالحرمان
وأنشد ابن الخطيب قول الصاحب الكافى حين أهدى عطرا إلى القاضى أبى الحسن
أيها القاضى الذى نفسى له ... فى قرب عهد لقائه مشتاقه
أهديت عطرا مثل طيب ثيابه ... فكأنما أهدى له أخلاقه
وقد يقال: إسلام كنور الشمس، وجهل كظلمة الليل، وحجة كضوء القمر، وكل ما