وكلّ أصمّ يعسل جانباه ... على الكعبين منه دم ممار
يغادر كلّ ملتفت إليه ... ولبّته لثعلبه وجار
فالثعلب هو الحيوان المعروف، والثعلب هو طرف سنان الرمح مما يلى الصعدة، فلما اتفق الاسمان حسن لا محالة ذكر الوجار. لما كان الوجار يصلح لهما جميعا، فاللبة وجار ثعلب السنان وهو بمنزلة جحر الثعلب أيضا، ومن ذلك ما أنشد لبعض العراقيين يهجو رجلا كان على مذهب أحمد بن حنبل ثم انتقل إلى مذهب الشافعى قال فيه:
فمن مبلغ عنى الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدى لديه الرسائل
تمذهبت للنّعمان بعد ابن حنبل ... وفارقته إذ أعوزتك المآكل
وما اخترت رأى الشافعى تديّنا ... ولكنّما تهوى الذى هو حاصل
وعما قليل أنت لا شك صائر ... إلى مالك فاسمع لما أنا قائل
فمالك ههنا يصلح أن يكون مالك بن أنس صاحب المذهب ويصلح أن يكون مالكا خازن النار، فهذه مغالطة لطيفة كما ترى على الوصف الذى ذكرناه، ومن ألطف ما قيل فى المغالطات المعنوية ما قاله بعضهم يهجو الشعراء:
فخلطتم بعض القرآن ببعضه ... فجعلتم الشّعراء فى الأنعام
فالشعراء ههنا كما يصلح اسمه للسورة المعروفة، والأنعام أيضا اسم للسورة، فهما يصلحان أن يكون الشعراء جمع شاعر، وأن الأنعام جمع نعم، وهى البقر والغنم والإبل، فهذه مغالطة رشيقة لاشتمالها على ذكر الأمرين جميعا، ومن ذلك قوله فى صفة الإبل:
صلب العصا بالضرب قد أدماها ... تودّ أن الله قد أفناها
إذا أرادت رشدا أغواها ... تخاله من رقّة أباها
فالضرب لفظ مشترك يطلق على الضرب بالعصا وعلى السير فى الأرض، وهكذا قوله قد أدماها فإنه يقال: أدماه إذا أسال دمه، وأدماه إذا جعله كالدمية، وهى الصورة، وقوله أفناها. يقال أفناه إذا أذهبه، وأفناه إذا أطعمه الفناء وهو عنب الثعلب، وقوله أغواها.
يقال أغواه إذا أطعمه الغوىّ، وأغواه إذا أزاله عن رشده، فالفناء والغوى شجران كما ترى، فهذه هى أمثلة المغالطة المعنوية وهى مقررة على الاشتراك كما أشرنا إليه.