عليه السلام بئس مطية الرجل زعموا، تلميح لما فيه من الإشارة إلى موقع هذه الكلمة، ومن كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه فى خطبته الشّقشقية: فصبرت وفى العين قذى، وفى الحلق شجى، أرى تراثى نهبا، حتى إذا مضى الأول لسبيله «يعنى أبا بكر» أدلى بها لى فلان بعده «يعنى عمر» لأنه عقد له بالخلافة قبل وفاته، ثم تمثل أمير المؤمنين ببيت الأعشى:
شتان ما يومى على كورها ... ويوم حيّان أخى جابر «١»
فاستشهاده بهذا البيت واقع موقع التلميح فى كلامه هذا لكونه مطابقا لمقصده، موافقا لغرضه، لأن غرضه من ذلك تباين الحال ومفارقة الأمر بين ولايته وولاية غيره كما يشهد له ظاهر البيت، ومن ذلك ما قاله متمثلا به لما شكا من أصحابه تقاعدهم عن الجهاد وميلهم إلى الدعة والإعراض عن أمره، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح فى الماء، والله لوددت أن لى بكم ألف فارس من فراس بن غنم:
هنالك لو دعوت أتاك منهم ... فوارس مثل أرمية الحميم «٢»
فهذا البيت واقع على جهة التلميح لأن فيه إشارة إلى سرعة إجابتهم لمن يدعوهم ويعرض فيه بأصحابه لتثاقلهم عن إجابة أمره، والحميم ههنا هو وقت الصيف، وإنما خص الشاعر سحاب الصيف لأنه أشدّ جفولا، وأسرع زوالا وحركة؛ لأنه لا ماء فيه، وإنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء كما قال تعالى: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢)
[الرعد: ١٢] وذلك إنما يكون فى مطر الربيع، وهذا إنما يكون فى الشأم، فأما اليمن فأكثر المطر فيه يكون فى الصيف والخريف وكما قال بعض الشعراء:
المستغيث بعمرو يوم كربته ... كالمستغيث من الرّمضاء بالنّار «٣»
يشير بذلك إلى قصة كانت لعمرو، وكقوله فى الحريريات إبطاء فند، وصلود زند، يشير بذلك إلى قصة كانت لفند، فما هذا حاله يقال له التلميح كما ذكرنا فى اشتقاقه، ولو قيل فى لقبه التمليح، بتقديم الميم على اللام لكان حسنا جيدا مطابقا للاشتقاق، يقال ملحت القدر وأملحتها وملّحتها تمليحا فملح وأملح إذا طرحه بقدر يصلحها، وملّحها إذا زاد فى ملحها حتى أفسدها، والمعنى فى تلقيبه بهذا اللقب هو أنه إذا أشار إلى قصة نادرة أو بيت حسن، أو مثل سائر فقد ملحه وزاد فى حسنه كما يزيد الملح فى حسن الطعام ومساغه، فهذا الاشتقاق يكون سائغا ويلقّب به.