شرف ينطح النجوم بروقي ... هـ وعز يقلقل الأجبالا
فذكر الروق ليس جيدا فى المديح، وكذا لفظ المناطحة ليس فصيحا ولا دالا على البلاغة. ومن العجب أنه قال فى مطلع هذه القصيدة ما يروق الناظر، ويشوق القلب والخاطر:
ذى المعالى فليعلون من تعالى ... هكذا هكذا وإلا فلا لا
فالتفاوت ما بين الشيئين يدركه كل من له ذوق سليم وطبع فى الفصاحة مستقيم، فلقد جمع فى هذا بين وردة، وسعدانة، لا بل بين بعرة ومرجانة. ومن البشع المستنكر فى التشبيه ما قاله بعض الشعراء:
ملا حاجبيك الشيب حتى كأنه ... ظباء جرى منها سنيح وبارح
وهكذا ورد قول آخر فى صفة السهام:
كساها رطيب الرصف فاعتدلت له ... قداح كأعناق الظباء الغوارق
فما هذا حاله لا ملائمة بين المشبه والمشبه به، وهما فى غاية البعد.
الوجه الثانى ما كان مضمر الأداة فمن ذلك ما قاله أبو تمام يمدح رجلا:
وتقاسم الناس السخاء مجزأ ... فذهبت أنت برأسه وسنامه
وتركت للناس الإهاب وما بقى ... من فرثه وعروقه وعظامه
فأما البيت الأول فهون فيه وليس وراءه كبير معنى ولا بليغه، فإن حاصله أنك ذهبت بالأعلا من السخاء وتركت للناس الأدنى، والبيت الثانى أرك وأنزل فى البلاغة. ومن ذلك ما قاله أيضا فى غير هذا الموضع.
لا تسقنى ماء الملام فإننى ... صب قد استعذبت ماء بكائى
فما هذا حاله ليس فاحشا ولا بليغا، وإنما هو متوسط كما قال ابن الأثير، وهو كما قال، فإنه وإن نزل فيما أورده من التشبيه فليس خاليّا عن بلاغة فى معناه وجزالة فى لفظه.
ويحكى أن رجلا لما سمع هذا البيت لأبى تمام بعث إليه بقارورة، وقال هب لى شيئا من ماء الملام فقال له أبو تمام ابعث لى بريشة من جناح الذل، حتى أبعث لك ماء الملام، ليس مراد أبى تمام المماثلة بينه وبين التشبيه فى قوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
[الإسراء: ٢٤] فإن بينهما بونا لا تدرك غايته، وبعدا لا تقطع مسافته، وإنما أراد أن الاستعارة جارية فى الماء كجريها فى الجناح، وهذا مقصد جيد لا غبار على أبى تمام فيه.