ينالون من العذاب ويتحققونه من النكال، ولا خلاص عن ذلك إلا بالإسلام، فلهذا قطعنا بتحقق المحبة والود للإسلام، وإنما أخرجه مخرج التهكم والاستهزاء، وخامسها قوله تعالى حكاية عن قوم شعيب: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)
[هود: ٨٧] فلم يخرجوه على جهة استحقاقه للمدح بهاتين الصفتين مع كونه أهلا لهما، وإنما أخرجوه مخرج الاستهزاء والتهكم بحاله، تمردا واستكبارا، وغرضهم إنك لأنت السفيه الجاهل، حيث أمرهم بما أمرهم من الخير والمعروف فأبوا إلا ما كان عليه الأسلاف، فلا جرم أخرجوه هذا المخرج من أجل ذلك، وليس له ضابط يضبطه، وإنما الجامع لشتات معانيه هو ما ذكرناه من إخراج الكلام على خلاف مقتضى الحال، فلا بد من مراعاة ما ذكرناه وإن اختلفت صوره، وكقوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
[الرعد: ١١] والمعقبات هم الحرس حول السلطان يحفظونه على زعمه من أمر الله، فهو وارد على جهة التهكم، لأن أمر الله إذا جاء وقضى لا يحفظ عنه حافظ، ولا يمكن رده، ولا يستطاع دفعه بحال، ومن الأبيات الشعرية ما كان واردا على جهة التهكم كقول من قال فى رجل يتهكم برجل محدودب الظهر:
لا تظنّنّ حدبة الظّهر عيبا ... هى فى الحسن من صفات الهلال
وكذاك القسىّ محدودبات ... وهى أنكى من الظّبا والعوالى
كوّن الله حدبة فيك إن شئت ... من الفضل أو من الإفضال
فأتت ربوة على طود حلم ... طال أو موجة ببحر نوال
وإذا لم يكن من الوصل بدّ ... فعسى أن تزورنى فى الخيال «١»
فظاهر ما أورده مدح كامل كما ترى لما يظهر من صورته، وإنما أورده على جهة التهكم به والاستهزاء بحاله، وكقول امرىء القيس يصف كلبا:
فأنشب أظفاره فى النّسا ... فقلت هبلت ألا تنتصر «٢»
فقوله:«هبلت ألا تنتصر» تهكم بحاله فى غاية اللطف والرشاقة لأن ما فعله الكلب بالصيد هو غاية الانتصار.