للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال على النار، فيه دلالة على ضعف نارهم لقلة زادهم، وأنه يطفئها بولة، وأنها إنما أمرت بذلك، كى لا يهتدى الأضياف إليهم ولا يعرفوا مكانهم، ثم أتى بلفظة على، ولم يقل فوق النار، ليدل بحرف الاستعلاء على أنها قصدت حقيقة الاستعلاء بالبول قائمة من غير مبالاة فى التستر ولا مروءة فى تغطية العورة، فقد وضح لك بما قررناه أن التأليف هو العمدة العظمى والقانون الأكبر فى حسن المعانى وعظم شأنها وفخامة أمرها، ومن الأمثلة الرائقة ما يؤثر عن أمير المؤمنين قاله فى أول خلافته: «إن الله سبحانه أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشرّ، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشرّ تقصدوا، الفرائض الفرائض، أدّوها إلى الله تؤدّكم إلى الجنّة، إن الله تعالى حرّم حراما غير مجهول، وفضّل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشدّ بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين فى معاقدها، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق، ولا يحل أذى المسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامة، وخاصة أحدكم وهو الموت فإن الناس أمامكم وإن الساعة تحدوكم من خلفكم، تخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر بأوّلكم آخركم، اتقوا الله فى عباده وبلاده، فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم، وأطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه» . فلينظر الناظر ما اشتمل عليه هذا الكلام من حسن التأليف وبديع التصريف، وليلحظ ما تضمنه قوله: تخففوا تلحقوا، بعين البصيرة وما اشتمل عليه من بلاغة المعانى وجزالة الألفاظ، وإنه لكلام من استوى على عرش البلاغة واستولى، ودل بالإرشاد على مصالح الدين والدنيا، فعليك بمراعاة جانب التأليف فإنه القطب الذى تدور عليه أرحية البلاغة، ولا سبيل إلى جذبه بزمامه، والاستيلاء على كماله وتمامه، إلا بعد إحراز فصول تكون محتوية على أسراره، ومستولية على المقصود منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>