النقوش، فما أحسن موقع قوله هو المرء، كأنه قال «فتح» هو الرجل الكامل فى الرجولية، ثم تأمل إلى تنكيره السؤدد وإضافة الخلقين إليه، ثم عقّبه بقوله: فكالسيف، فلقد أجاد فى التشبيه وأحسن فى صوغه «وليس كلّ آذان تسمع القيل» فليس إذا راق التنكير فى موضع يروق فى كل موضع، بل ذاك على حسب الانتظام، ومأخذ السياق يفوق ويزداد إعجابا وحسنا، فأنت إذا فكرت فى هذه الأبيات وجدتها قد اشتملت على نهاية المدح مع ما حازته من جودة السبك وحسن الرصف فى أسهل مأخذ وأعجبه، وهكذا يكون الإعجاب فى القلة والكثرة بحسب ما ذكرناه.
المثال الثانى فى الذم وهذا كقول الشاعر:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمّهم بولى على النار «١»
فتأليف هذا البيت مشتمل على نهاية الهجاء حتى لا تكاد لفظة من ألفاظه إلا ولها حظ فى الذم والنقص لهؤلاء، فقوله «قوم» هو مخصوص بالرجال، وفيه دلالة على أنهم أعراب جفاة ليس لهم ثروة ولا تمكن فلا يألفون شيئا من مكارم الأخلاق، ثم إنه أتى «بإذا» التى تؤذن بالشرط المؤقت المعينّ، ليدل به على أن الأضياف لا يعتادونهم إلا فى الأوقات القليلة، ثم إنه عقبه بسين الاستفعال لتوذن أن كلبهم ليس من عادته النّباح، وإنما يقع منه ذلك على جهة الندرة لإنكاره للضيف، وأنه لا عهد له بهم، ثم جاء بالأضياف على جمع القلة، لما كانوا لا يقصدهم إلا نفر، قليل، ثم عرّفه باللام إشارة إلى أنهم قوم معهودون لا يقصدهم كل أحد، وفيه دلالة أيضا على أن كلبهم لا ينبح إلا بالاستنباح لهزاله وقلة قوته من الجوع والضعف، ثم أفرد الكلب ليدل على أنهم لا يملكون سواه لحقارة الحال، وكثرة الفقر، ثم إنه أضاف الكلب إليهم استحقارا لحالهم، ثم إنه أتى بقالوا، ليعرف من حالهم أنهم لا خادم لهم يقوم مقامهم فى ذلك، وأنهم يباشرون حوائجهم بأنفسهم، ثم جعل القول منهم مباشرة لأمهم، ليدل على أنه لم يكن هناك من يخلفها من خادمة وغيرها فى إطفاء النار، فأقام أمهم مقام الأمة والخادمة فى قضاء الحوائج لهم، ولم يشرّفوها عن ذلك، ثم جعلهم قائلين لما يستنكر من لفظ البول لأن ذكره يشعر بذكر مخرجه من العورة فى حق الأم فلم يكن هناك حشمة لهم ولا مروءة فى إضافة ما أضيف إليها من ذلك، ثم