للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله «على علاته» تتميم للمبالغة، فوقعت فى غاية الحسن والرشاقة كما ترى، والمراد بقوله على علاته أى على حالاته وكقوله يمدح هرما أيضا:

إن الكريم على علاته هرم

فهذه اللفظة حصل من أجلها مبالغة فى المدح لا يخفى. وثانيها أن تكون واردة على جهة الصيانة عن احتمال الخطأ فترد رافعة له، ومثاله ما قاله بعض الشعراء:

فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الرّبيع وديمة تهمى «١»

فقوله غير مفسدها فضلة واردة لرفع الإيهام الحاصل ممن يدعو على الديار بكثرة المطر ليكون مفسدا لها، فانظر إلى موقع هذه اللفظة ما أرقه وما ذاك إلا من أجل ما اشتملت عليه من هذا الاحتراز الذى ذكرناه، وهكذا قول من قال:

لئن كان باقى عشينا مثل ما مضى ... فللحبّ إن لم يدخل النار أروح «٢»

فقوله إن لم يدخل النار معناه سلامة العاقبة، وأراد أن أول الحب كان فيه بلهنية وخفض عيش ولذة وراحة، فإن كان آخره مثل أوله فالحب لا محالة أحمد عاقبة، لكن بشرط أن تكون العاقبة فيه سليمة عما يشوبها، لأن الحب الأكثر فيه أن يكون خطأ تكاد أن تكون عقابه وخيمة يدخل بسببها النار، فإذا كان هذا سليمة عواقبة فهو أروح، يعنى مشتهى لسلامته عما لا يكاد ينفك عنه. وثالثها أن يكون واردا على جهة الاستقامة للوزن ولا يحتاج إليه فى المبالغة ولا للاحتراز، ومثاله قول المتنبى:

وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتى لرأيت فيه جهنّما «٣»

فإن المعنى تام، لكنه لما كان الوزن غير مستقيم لو انخرم عن قوله يا جنتى، أتى بها من أجل استقامة الزنة لا غير، فحصل طباق وحسن موقع لا يوجد مع حذفها، ولو قال عوضها «يا منيتى» لاستقام الوزن، لكن لا طباق فيها ولا يكون لها موقع حسن، وقد ذكرنا فيما سلف الاعتراض، وبينا ما يحسن منه وما يقبح، فأغنى عن الإعادة وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>