الدين، والدنيا، ونازلة فى الاستصلاح منزلا تقاصرت العبارة عن كنهه، فحذفت هذه القيود كلها، وأطلقت إطلاقا، وعوض التنوين عن هذه القيود، كما جعل عوضا فى يومئذ، وحينئذ، عن جميع الجمل السالفة، وفيه من التعظيم والفخامة ما يرى، فهذا هو الوجه اللائق بفصاحة القرآن، دون ما ذكره علماء البيان، وأما ما ذكره ثانيا من تنكير السلام فى قصة يحيى، وتعريفه باللام فى قصة عيسى، فإنما كان ذلك التنكير واردا فى قصة يحيى عليه السلام؛ لأن التحية كانت من جهة الله تعالى فى المواطن الثلاثة، وسلام ما كان من جهة الله مغن عن كل تحية، «قليلك لا يقال له قليل» ، ومن ثم لم يرد السلام من جهة الله إلا منكرا، كقوله تعالى سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ
[يس: ٥٨] وقوله اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا
[هود: ٤٨] وقوله تعالى سَلامٌ عَلى نُوحٍ
[الصافات: ٧٦] ولو كانت معرفة لكان لا فائدة فى تعريفها، وأما تعريف السلام فى حق عيسى عليه السلام، فإنما كان ذلك من أجل أنه ليس واردا على جهة التحية من الله تعالى، وإنما هو حاصل من جهة نفسه، فلا جرم جىء بلام التعريف، إشعارا بذكر الله تعالى؛ لأن السلام اسم من أسمائه، وفيه تعرض لطلب السلامة، ولهذا فإنك إذا ناديت الله باسم من أسمائه، فإنك متعرض لما اشتق منه ذلك الاسم، فتقول فى طلب الحاجة، يا كريم، وفى سؤال مغفرة الذنب: يا عفو، يا غفور، يا رحيم، يا حليم، لما كان ذلك مناسبا ملائما لما أنت فيه، فلهذا أورده باللام، تعرضا للسلامة، وطلبا لها باسم الله تعالى، وجؤارا إليه، ومن أجل ذلك كان اختتام الصلاة بالسلام المعرف باللام لكونه اسما من أسماء الله، لما كان افتتاحها باسم من أسمائه، ومن جوز السلام بغير اللام، فهو بمعزل عن هذه الأسرار ومعرض عن هذه المقاصد، وأما ما ذكره ثالثا من نصب سلام الملائكة، ورفع سلام إبراهيم، فلأن سلام الملائكة إنما ورد على جهة الإشعار بالفعل، وكونه مصدرا عنه تقريرا لخاطره، وإزالة للوحشة الحاصلة من جهتهم بامتناع الأكل، كما نبه عليها بقوله تعالى: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً
[الذاريات: ٢٨] وهذا المعنى إنما يظهر بالنصب بخلاف السلام من جهة إبراهيم؛ فإنما هو وارد على جهة التحية، كأنه قال: منى سلام، أو عليكم سلام، غير متعرض