للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهليته لها، وسبقه إليها، لاستكمال خصالها فيه، «ينحدر عنى السيل، ولا ترقى إلى الطير» كنى بذلك عن علو شأنه، وارتفاع قدره، وعظم خطره عند الله «فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا» كنى بذلك عن إعراضه عن الإمامة، لأمور جرت وعوارض حضرت، فرأى أن الإعراض أحجى، وأسلم للدين وأرضى، والسدل هو إرخاء جانبى الرداء، وطى الكشح كناية عن القطع، يقال فلان طوى كشحه عنى، إذا قطعك، ويحتمل أن يريد بطى الكشح، أنه أضمر ما فى نفسه، وستره وكتمه، يقال طويت كشحى، عن الأمر، إذا أضمرته وسترته، وكلا الأمرين صالح هاهنا ثم قال «حتى مضى الأول لسبيله» كنى به عن أبى بكر «فأدلى بها إلى فلان بعده» كنى به عن عمر من تحمله للخلافة بعده «إلى أن قام ثالث القوم» كنى به عن عثمان وخلافته «وقام معه بنو أبيه» كنى به عن بنى معيط «يخضمون مال الله خضمة الإبل، نبتة الربيع» يكنى به عن أخذ الأموال من غير حقها، ووضعها فى غير أهلها، ولقد كان الأمر فيهم كما قال عليه السلام من الخضم والقضم، والتوسع فى الأموال. والترفه فيها. فهذه الخطبة مشتملة على توجع، واصطبار على ما كان منهم فى الإمامة، من الاختصاص والإيثار، ولم يصدر من جهته عليه السلام ما يكون قدحا فى أديانهم ولا حطا لمراتبهم، ولا نقصا لأقدارهم، وقد ذكرنا تقرير إمامته بالنصوص، وأوردنا ما يتعلق بحكم من خالفها فى الكتب العقلية، ومن ذلك قوله عليه السلام، فى من يتصدى للحكم وليس أهلا له: «فإن نزل به إحدى المهمات هيأ لها حشوا رثّا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات، فى مثل نسج العنكبوت. لا يدرى، أصاب أم أخطأ» فهذا خارج مخرج الكناية عن جهله، وقلة البصيرة فيما يأتى ويذر، ثم قال: «جاهل خباط جهالات، عاش ركاب عشواءات» كنى به عن أنه لا يدرى، أين يضع قدمه، ولا أين منتهى قدره «لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذرى الروايات إذراء الريح الهشيم» كنى به عن خفة الوطأة فى العلم، وعدم القوة على إحكام أصوله وفروعه، وهى كناية لطيفة لا يقوم لأحد بها لسان، ولا يطلع على محّ فصاحتها إنسان، ولا يعرف قدرها، ولا يستولى على سرها، ويعلم قدر جوهرها إلا الخواص من أهل هذه الصناعة وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>