عضد الخادم من الإنعام فإنه قوة لليد التى خولته، ولا يقوى تصعّد السحب إلا بكثرة غيثها الذى أنزلته، وغير خاف أن عبيد الدولة لها كالعمد من طرافها، ومركز الدائرة من أطرافها، ولا يؤيد السيف إلا بقائمة، ولا ينهض الجناح إلا بقوادمه، فهذه الفواقر كلها من باب لزوم ما لا يلزم، ومن ذلك ما قالته امرأة لقيط بن زرارة تثنى عليه بعد قتله، واستخلافها لغيره إنه خرج يوما وقد تطيب وشرب فطرد البقر وصرع منها، ثم أتانى وبه نضح دم فضمّنى ضمة، وشمّنى شمة، فليتنى مت ثمّة، فهذا الكلام من الباب الذى نحن بصدده، ومن المنظوم ما قاله ابن الرومى وكان من أكثر الناس ولعا بلزوم ما لا يلزم فى أشعاره «١» :
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلّا فما يبكيه منها وإنّه ... لأوسع مما كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنّه ... بها سوف يلقى من أذاها يهدّد
فإلزام حركة الفتح قبل حرف الروى من باب لزوم ما لا يلزم كما مر تقريره وقال المعرى «٢» :
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة ... وحقّ لسكّان البسيطة أن يبكوا
يحطّمنا صرف الزمان كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد له السّبك
وقال فى الحريريات:
من ضامه أو ضاره دهره ... فليقصد القاضى فى صعده
سماحه أزرى بمن قبله ... وعدله أتعب من بعده
وهذا وأمثاله من باب لزوم ما لا يلزم فى الحركة والحرف جميعا كما ترى، ومن أبيات الحماسة قوله:
إن التى زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها