للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون ماضيا ومستقبلا، وهذه هى فائدة اللف ثم إنه نشرهما بعد ذلك بقوله: يوم قد مضى أحصى فيه عمله، فهذا يتناول الماضى، ويوم قد بقى لا يدرى ما يفعل فيه، وهذا يتناول المستقبل، فهذه هى حقيقة اللف والنشر كما قررناه، ولو لم يرد اللف والنشر لقال فيه: إن المرء بين يومين، يوم قد مضى ويوم قد بقى، وهو إذا كان على هذه الصورة لم يكن من هذا الباب فى ورد ولا صدر، ومن هذا قوله صلى الله عليه وآله: وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فلفّ الليل والنهار جميعا، ثم فصّل أحكامهما بعد ذلك، وهذا إنما يكون لفا ونشرا إذا كان بلى أحدهما مخالفا لبلى الآخر، وهكذا حال التقريب، فأما إذا تماثلا فليس منه، وفيه تعسف، والأحق فى المثال غيره، ولو لم يرد اللف والنشر لقال: وقد رأيتم الليل كيف يبلى كل جديد ويقرب كل بعيد ويأتى بكل موعود، ورأيتم النهار كيف يبلى كل جديد ويقرب كل بعيد ويأتى بكل موعود لم يكن من باب اللف والنشر، ومن ذلك قوله عليه السلام: إنما يؤتى الناس يوم القيامة من إحدى ثلاث، إما من شبهة فى الدين ارتكبوها، أو شهوة للذة آثروها، أو عصبية لحمية أعملوها، فإذا لاحت لكم شبهة فاجلوها باليقين، وإذا عرضت لكم شهوة فاقمعوها بالزهد، واذا عنت لكم عصبية فادرأوها بالعفو، فانظر أيها المتأمل ما حواه هذا الكلام من لطائف الإجمال والتفصيل، واشتمل عليه من محاسن اللف والنشر، ومن تأمل كلامه عليه السلام وجد فيه ما يكفى ويشفى من ذلك. ومن كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه قوله: وما أعد الله للمطيعين منهم والعصاة من جنة ونار وكرامة وهو ان، فقوله للمطيعين والعصاة هذا هو اللف وقوله من جنة ونار أراد الجنة لأهل الطاعة والنار لأهل المعصية وقوله كرامة وهوان، أراد الكرامة لأهل الطاعة والهوان لأهل المعصية، فما هذا حاله يطلق اتكالا على قريحة السامع فى رد كل شىء إلى ما يليق به، ومن ذلك قوله عليه السلام: الناس ثلاثة، عالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، فأشار بقوله ثلاثة إلى اللف، ثم نشره بعد ذلك بما أشار إليه من التفاصيل. ومن الأمثلة فى المنظوم، ما قاله بعض الشعراء:

<<  <  ج: ص:  >  >>