المشاق فى حمل الولد وفصاله، وما فى أثناء ذلك من مشقة التربية والمزاولة لمصالحه، والحنو والتعطّف عليه، وخص الأم بالذكر، تنبيها على اختصاصها بمزيد المشقة وتعاطى المباشرة له فى كل أحواله، فتوسّط هذا الاعتراض بما ذكرناه، قد اشتمل على الإشارة إلى ما قررناه مع احتوائه على حسن الوصف وجودة السياق كما ترى، ومن شريفه قوله تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ
[النحل: ١٠١] فقوله والله أعلم بما ينزل، اعتراض بين إذا وجوابها، وفائدته تقرير لمصلحة التبديل، وتعريض بجهلهم بمعرفة ذلك، وإعلام لهم بأن الله تعالى هو المتولى لذلك، فهذه الجملة الابتدائية الواردة اعتراضا قد قامت مقام ما ذكرناه من هذه الأسرار.
ومن غريبه وعجيبه قوله جل وعلا: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا
[٢ لبقرة: ٧٢- ٧٣] فقوله: والله مخرج، جملة ابتدائية وردت معترضة بين الكلامين وفائدتها التقرير فى نفوس السامعين بأن تدافع بنى إسرائيل فى قتل النفس ليس نافعا فى إخفائه وكتمانه، لأن الله تعالى مظهره وتعريف بأنه تعالى: مطلع على كل خافية، وأكرم بمعانى التنزيل، فما أنفعها وأعلى مكانها وأرفعها، والاعتراض فى القرآن أكثر من أن يحصى، ومما ورد من المنظوم فى الاعتراض قول امرىء القيس «١» :
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفانى ولم أطلب قليل من المال
فقوله «ولم أطلب» وارد على جهة الاعتراض بين الفعل وفاعله، وإنما أورده، تعريفا بتحقير أمر المعيشة وإعراضا عنها وأنه يأتى بأسهل أمر، وإنما الذى يحتاج إلى العناية هو طلب الملك والمجد المؤثّل كما قال «٢» :
ولكنما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالى