كأنها فضة قد مسها ذهب
لما كان الأول غير واقع، لأن البساط الأزرق عليه درر منثورة لا يكاد يوجد، بخلاف الفضة المموهة بالذهب، فإنها توجد كثيرا، فأما التشبيهات الواردة فى القرآن الكريم والسنة النبوية، فإنها كلها قريبة، وما ذلك إلا لأنها أدخل فى التحقيق، وأقرب إلى التيقن مما لا يكاد يقع، فلهذا كانت مختصة بهما كقوله تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ
[النور: ٤٠] وقوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ
[الجمعة: ٥] وقوله تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ
[الأعراف: ١٧٦] إلى غير ذلك من الأمور الممكنة الوقوع. ومثال الواضح من التشبيه ما قاله على بن جبلة فى وصف الخمر:
ترى فوقها نمشا للمزاج ... تقارب لا تتصلن اتصالا
كوجه العروس إذا خططت ... على كل ناحية منه خالا
ومن أوضحه قول مسلم بن الوليد يصف رجلا بالشجاعة:
يلقى المنية فى أمثال عدتها ... كالسيل يقذف جلمودا بجلمود
فهذا وأمثاله من الأمور الواضحة فى المقصود منها فى التشبيه، وهكذا جميع التشبيهات فى القرآن العظيم، فإنها واضحة جليلة، ومثال التشبيهات الخفية، ونريد بخفائها أن الأمور المحسوسة الظاهرة مستمدة من الأمور الخفية فى المعانى وهذا كقول بعض الشعراء:
وكأن النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهن ابتداع
فشبه النجوم فى ظلمة الظلام مع نورها بالسنن الواضحة التى هى كالأنوار توسط بينها بدع، كسواد الليل فى ظلمتها، فالسنة فى هداها كالنور، والبدعة فى جهلها بمنزلة الظلمة، ومن هذا قول بعضهم:
كأن انصياع البدر من تحت غيمه ... نجاء من البأساء بعد وقوع
فشبه المحسوس بالمعقول، مثل البدر الذى ينحسر عنه الظلام، بالمتخلص من البأساء بعد وقوعها عليه، وما ذاك إلا لأن هذه المعانى وضحت وضوحا وقربت من النفوس قربا فألحقت بالأمور المحسوسة فى وضوحها وتحققها، ومن الأمثلة ما حكاه الله تعالى عن مستحلى الربا حيث قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا
[البقرة: ٢٧٥] وكان القياس فى قولهم:
إنما الربا مثل البيع، فى تحليله إغراقا منهم فى المبالغة، وذهابا إلى أن الربا فى باب الحل أدخل من البيع وأقوى حالا، وهذا من أنواع التشبيه يلقب بالمعكوس، ولهذا يقال: صبح كغرة الفرس، ويقال فى عكسه أيضا غرة كالصبح، وسيأتى تقريره بمعونة الله تعالى.