للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ

[النور: ٦٢] فظاهر هذه الآية التكرير، وليس الأمر كذلك فإن الحصر وإن كان شاملا لهما، لكنه مختلف، فالآية الأولى إنما وردت فى حصر الإيمان، وأنه لا إيمان حقيقة إلا الإيمان بالله ورسوله، وما عداهما لا يعد من الإيمان، ولا يكون داخلا فى ماهيته، وتعريضا بحال من أنكر التوحيد والنبوة، فإنه غير داخل فى هذه الصفة بحال، والآية الثانية فإنما وردت على جهة الحصر فى المستأذنين، كأنه قال صفة الاستئذان مقصورة على كل من آمن بالله ورسوله، فلا يتأخر إلا بأمر من جهتك، ولا يقدم ولا يحجم إلا عن رأيك، لاطمئنان نفسه بالإيمان، ورسوخ قدمه فيه، فهذا هو المستأذن حقيقة، فأما من كان غير مؤمن بالله ولا معرج على التصديق بك، فليس من استئذانك فى ورد ولا صدر، فقد ظهر بما ذكرناه تغاير الآيتين بما أبرزناه من معناهما، فهكذا تفعل فى كل ما ورد عليك من الآى القرآنية، فإن التكرير فيه كثير، ورب كلام يكون الإطناب فيه أبلغ من الإيجاز، وتصير البساطة له كالعلم والطراز، ولولا خشية الإطالة لأوردنا جميع التكريرات كلها، وأظهرنا تغايرها، وفيما أشرنا إليه كفاية لما نريده من ذلك، ومن التكرير الفائق ما ورد فى السنة الشريفة كقوله صلّى الله عليه وسلّم فى وصف يوسف الصديق عليه السلام «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم» يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، يعنى أنه نبى ابن نبى ابن نبى ابن نبى، فقد تنوسخ من الأصلاب الشريفة إلى الأرحام الطاهرة، فهذا تكرير بالغ دال على نهاية الشرف، وإعظام المنزلة، ورفع الرتبة عند الله، ومنه قول أمير المؤمنين كرم الله وجهه «اللهم إنى أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمى وصغّروا عظيم قدرى، وأجمعوا على منازعتى أمرا هو لى ثم قالوا ألا فى الحق أن نأخذه، وفى الحق أن نمنعه» وإنما كرر قوله فى الحق، مبالغة فى التوجّع، وإعظاما فى التهكّم بهم، حيث اعتقدوا أن منعه هو الحق بزعمهم، فهذا من التكرير الذى قد بلغ فى الفصاحة أعلاها، وأصعد فى ذروتها وحل أقصاها كما ترى، ومن الأبيات الشعرية ما يليق ذكره ههنا، فمن ذلك قول المتنبى «١» :

العارض الهتن بن العارض الهتن ب ... ن العارض الهتن بن العارض الهتن

فهذا من باب التكرير، ثم من الناس من صوبه فى تكريره هذا. ومنهم من قال إنه قد

<<  <  ج: ص:  >  >>