وإن ضيّعوا غيبى حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا عنى هويت لهم رشدا
فانظر إلى هذه الأبيات، ما أجمعها لفنون الإنصاف، وأبلغها فى مراعاة جانب الحق والاعتراف، فهذه الألفاظ وإن كانت متغايرة، لكنها متطابقة فى المقصود دالة عليه، وكما يرد التأكيد المعنوى على ما ذكرناه فقد يرد ببرهان يشهد له، وتارة يرد على جهة العزيمة، ومرة بغير ذلك، فهذه وجوه ثلاثة، أولها ما يرد ببرهان دال عليه وهذا كقول أبى نواس «١» :
قل للذى بصروف الدهر عيّرنا ... هل عاند الدهر إلا من له خطر
أما ترى البحر يعلو فوقه جيف ... وتستقّر بأقصى قعره الدّرر
وفى السماء نجوم، لا عديد لها ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر
فقوله:«أما ترى البحر» ، وقوله:«وفى السماء نجوم» ، إنما أوردهما على جهة الاستدلال والتقرير لما ادعاه من معاندة الدهر لذوى الأخطار وأهل المراتب العالية.
وثانيها أن يكون واردا على جهة العزيمة والاهتمام بأمره، وهذا كقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)
[الواقعة: ٧٥- ٧٦] فقوله «وإنه لقسم» إنما ورد على جهة التأكيد لقوله «فلا أقسم» على جهة العزيمة لكونه قسما بالغا عظيما.
وثالثها أن يكون واردا على خلاف هذين الوجهين وهذا كقوله «٢» :
فدعوا نزال فكنت أوّل نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل؟
فقوله «فعلام أركبه» وارد على جهة التأكيد لقوله «فكنت أول نازل» بالاستفهام على جهة التقرير وكقوله «٣» :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول، من قراع الكتائب
فقوله:«غير أن سيوفهم» إنما ورد على جهة التأكيد المعنوى، لكونهم شجعانا، فأورده