للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً

[النمل: ٦١] وهو كثير الدور والاستعمال فى كتاب الله تعالى، وعلى هذا يكون له مفعولان، فالمفعول الأول هو الشركاء، والثانى هو الظرف، وهو قوله «لله» وعلى هذا يكون الإنكار متوجها على أن يكون لله تعالى: شركاء على الإطلاق، ويكون انتصاب «الجن» على إضمار فعل محذوف، كأنه قيل فمن جعلوا لله شركاء؟ قيل جعلوا الجن، فالأولى جملة على حيالها، والثانية جملة على حيالها، وعلى هذا لا يكون فيه تقديم ولا تأخير بالإضافة إلى الجن والشركاء، لانقطاع أحدهما عن الآخر كما ترى، نعم يمكن تقدير التقديم والتأخير بالإضافة إلى الظرف نفسه، فيقال: هل من فرق بين تقديم الظرف على الشركاء وتأخيره، والذى يمكن من التفرقة فيه هو أن يقال: إن الظرف إذا كان متقدما كما فى نظم الآية وسياقها، فإن الإنكار متوجه من الله حيث جعلوا له شريكا مع أن فيه دلالة على أنهم لم يجعلوا لغيره شركاء، بخلاف ما لو قال: وجعلوا شركاء لله، فإن الإنكار حاصل فيه، لكن ليس فيه دلالة على أنهم ما جعلوا لغيره شركاء، ونظير ذلك قولك: ما أمرتك بهذا، وما بهذا أمرتك، فإنك إذا أخّرت الظرف كان حاصله نفى الأمر عن نفسك من غير أن يكون فيه دلالة على أنك أمرته بشىء آخر، بخلاف ما إذا قلت: ما بهذا أمرتك، فإنه كما هو دال على نفى الأمر عن نفسك، فإنه دال على أنك قد أمرته بشىء آخر، وهكذا تكون الآية كما قررته.

التفسير الثانى أن يكون المفعول الأول لجعل، هو الجن، والمفعول الثانى هو الشركاء، وعلى هذا يكون الظرف ليس بمعتمد ويكون متعلقا بشركاء ومن ههنا يظهر سر التفرقة بين التفسيرين، فأنت على التفسير الأول يظهر لك أن الإنكار إنما توجه عليهم من جهة إضافة الشركاء إلى الله تعالى على جهة الإطلاق، سواء كان من جهة الجن، أو من جهة غيرهم؛ لأن المعنى أنه لا شريك لله فى الإلهية، لا من الجن، ولا من غير الجن، بخلاف المعنى الثانى، فإن الإنكار إنما كان متوجها من جهة مشاركة الجن لا غير، ولا شك أن الإطلاق مخالف للتقييد، وعلى هذا يكون التفسير الأول أخلق بالآية وأدلّ على المبالغة من التفسير الثانى، وبما ذكرناه تدرك التفرقة بينهما. ولقد كان إيراد هذه الآية حقيقا بفصل التقديم والتأخير لكونها منه وأخص به، والذى جر من إيرادها ههنا هو ما عرض فيها من الإشكال، هل هى من باب الحصر، أو من

<<  <  ج: ص:  >  >>