فما هذا حاله فى المديح، من التفريط والإهمال والتضييع الذى لا يمدح بمثله بحال، لما فيه من مقابلة الممدوح بأقبح الأسماء، وأسوإ الصفات وكقوله أيضا يمدح رجلا:
ما زال يهذى بالمكارم والعلا ... حتى ظننا أنه محموم «١»
فما هذا حاله من المدائح التى نزلت فى الركة وكانت معدودة فى التفريط البالغ، ومن أمثلة التفريط ما قاله البحترى يمتدح الفتح بن خاقان فى قصيدته المشهورة ويذكر فيها لقاءه للأسد وقتله له:
شهدت لقد أنصفته حين تبترى ... له مصلتا عضبا من البيض مقضبا
فلم أر ضرغامين أصدق منكما ... عركا إذا الهيّابة النّكس كذّبا «٢»
فقوله: إذا الهيابة النكس كذبا. ليس فيه مدح، وقد فرط فى إيراده مدحا لهذا الرجل، وكان الأخلق بالمدح أن يقول، إذا البطل كذب، لأنه الأمدح فى إقدام المقدم فى الموضع الذى يفر منه الجبان، إذ لا فضل فى مثل هذا، وإنما الفضل فيما قاله أبو تمام:
فتى كلما ارتاد الشجاع من الردى ... مفرا غداة المأزق ارتاد مصرعا
ومن التفريط ما قاله بعض الشعراء:
وتلحقه عند المكارم هزة ... كما انتقض المحموم من أم ملدم
فهذه الأمثلة كلها من المدائح التى وقع التفريط فيها ولا يجوز استعمالها، فالمعنى فيها وإن كان حسنا جيدا، ولكنه لأجل العبارة كان مستقبحا مسترذلا، تعافه الطباع، وتمجه الأسماع، وليس من التفريط شىء فى كتاب الله تعالى:، ولا فى السنة النبوية، ولا ورد فيه شىء من كلام أمير المؤمنين، حراسة من الله تعالى: لها وكلاءة منه عنها، فأين ما ذكره هذا الشاعر مما قاله ابن الرومى يمدح أقواما:
ذهب الذين تهزهم مدّاحهم ... هزّ الكماة عوالى المرّان
كانوا إذا مدحوا رأوا ما فيهم ... فالأريحية منهم بمكان