الاستعارات الرائقة، فإن كان الإفراط كله يكون قبيحا فما هذا حاله مما ورد فى القرآن ليس إفراطا وإن كان الإفراط منقسما إلى حسن وقبيح، فهذا الذى ورد فى القرآن من أحسنه وأعجبه، ولنورد أمثلة الإفراط من المنظوم قال عنترة:
وأنا المنية فى المواطن كلّها ... والطعن منى سائق الآجال
ومن ذلك ما قاله بشار:
إذا ما غضبنا غضبة مضريّة ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما «١»
ومن ذلك ما قاله النابغة الذبيانى:
إذا ارتعثت خاف الجبان ارتعاثها ... ومن يتعلّق حيث علق يفرق «٢»
يصف امرأة بطول عنقها، والرعاث جمع رعث وهو القرط المعلق بالأذن ومن ذلك ما قاله أبو نواس يمدح رجلا قال:
وأخفت أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النّطف التى لم تخلق «٣»
ويحكى أن العتّابى لقى أبا نواس فقال: أما خفت الله تعالى: واستحييت منه حيث تقول «وأخفت أهل الشرك» البيت فقال له أبو نواس وأنت ما راقبت الله حيث قلت:
ما زلت فى غمرات الموت مطّرحا ... يضيق عنى وسيع الرأى من حيلى
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لى ... حتى اختلست حياتى من يدى أجلى
فقال له العتابى قد علم الله وعلمت أن هذا ليس من مثل قولك، ولكنك تعدّ لكل ناصح جوابا، وقد أورد أبو نواس هذا المعنى فى قالب آخر فقال:
كثرت منادمة الدماء سيوفه ... فلقلّ ما تحتازها الأجفان
حتى الذى فى الرّحم لم يك صورة ... لفؤاده من خوفه خفقان
فانظر إلى هذه المعانى ما أكذبها وما ألطفها وأرقها وأرشقها، وكل من خرقت قرطاس سمعه فإنه يعجب منها غاية الإعجاب، فأما أبو الطيب المتنبى. فإن له فى الإفراط اليد