فهكذا يصلح خطاب الملوك والخلفاء على هذا الوجه من حسن الأدب، ولقد غلا بعض من يدعى البلاغة، وزعم أنه لا ينبغى مخاطبة الملوك والخلفاء والأكابر بكاف الخطاب، وهذا فاسد، فإن الله تعالى هو مالك الملك والمتعالى بصفات الكمال، قد خوطب بكاف الخطاب كقوله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلم: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً
[الحجر: ٩٩] وقد جاء ذلك على ألسنة الفصحاء كثيرا ومنه قول النابغة:
وإنك كالليل الذى هو مدركى ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع «١»
ومن هذا قوله أيضا:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب «٢»
نعم إنما يكره ذلك فى المكاتبات، دون الأقوال، وإنما يؤتى فى الكتابة على جهة الغيبة فى مخاطبة الملوك وأهل الرفعة لا غير، ومن الآداب الحسنة أن لا تخاطب الملوك بأسماء أمهاتهم وجدّاتهم، وقد عيب على أبى نواس ما أورده فى قصيدته الميمية التى امتدح بها الأمين محمد بن هارون الرشيد حيث قال:
أصبحت يا بن زبيدة ابنة جعفر ... أملا لعقد حباله استحكام
فإن ذكر الله الخليفة فى هذا الموضع قبيح، وكان له مندوحة عن ذكر مثل ذلك بأبيه أو بجده أو غير ذلك من سائر المدائح المعروفة عند الشعراء المفلقين، وقد أخذ عليه أيضا قوله فى قصيدة اخرى:
وليس كجدّتيه أم موسى ... إذا نسبت ولا كالخيزران
فإن مثل هذا يعد فى الركيك من الشعر فضلا عن أن يكون معدودا من فصيحه، وهكذا فإنه قد أخذ على جرير فى مدح عمر بن عبد العزيز بذكر أمه حيث قال:
وتبنى المجد يا عمر بن ليلى ... وتكفى الممحل السّنة الجمادا
فهذا وأمثاله مما يعاب ذكره، وينبغى للشاعر والخطيب تجنّبه كما أشرنا إليه، لا يقال فكيف قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى الزبير لما أخبر أنه سيقتل: بشّر قاتل ابن صفية بالنار، فنسبه