فيه من الغموض ودقة الرموز، واحتوائه على الأسرار والكنوز، استولت عليه يد النسيان والذهول، وآلت نجومه وشموسه إلى الانكساف والأفول، ولم يختص بإحرازه من العلماء إلّا واحد بعد واحد، وطالما قيل «إذا عظم المطلوب قل المساعد» ، وما ذاك إلا لقصور الهمم عن بلوغ غاياته، وعجزها عن إدراكه والوصول إلى نهاياته.
ثم إن المقصود بهذا الإملاء هو الإشارة إلى معاقد هذا العلم ومناظمه. والتنبيه على مقاصده وتراجمه. وقد كثر فيه خوض علماء الأدب. وأتى فيه كل بمبلغ جده وجهده.
ومنتهى علمه ومقدار وجده. حرصا منهم على بيانه. وشغفا منهم بضبطه وإتقانه. وأتوا فيه بالغث والسمين. والنازل والثمين. وهم فيما أتوا به من ذلك فريقان. فمنهم من بسط كلامه فيه نهاية البسط، وخلط فيه ما ليس منه فكان آفته الإملال. ومنهم من أوجز فيه غاية الإيجاز، وحذف منه بعض مقاصده فكان آفته الإخلال. لم أطالع من الدواوين المؤلفة فيه مع قلتها ونزورها إلا أكتبة أربعة، أولها: كتاب المثل السائر للشيخ أبى الفتح نصر بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير. وثانيها: كتاب التبيان للشيخ عبد الكريم وثالثها: كتاب النهاية لابن الخطيب الرازى. ورابعها: كتاب المصباح لابن سراج المالكى.
وأول من أسس من هذا العلم قواعده. وأوضح براهينه وأظهر فوائده. ورتب أفانينه.
الشيخ العالم النحرير علم المحققين عبد القاهر الجرجانى. فلقد فك قيد الغرائب بالتقييد.
وهد من سور المشكلات بالتسوير المشيد. وفتح أزهاره من أكمامها. وفتق أزراره بعد استغلاقها واستبهامها. فجزاه الله عن الإسلام أفضل الجزاء. وجعل نصيبه من ثوابه أوفر النصيب والإجزاء. وله من المصنفات فيه كتابان، أحدهما لقبه «بدلائل الإعجاز» والآخر لقبه «بأسرار البلاغة» . ولم أقف على شىء منهما مع شغفى بحبهما، وشدة إعجابى بهما، إلا ما نقله العلماء فى تعليقهم منهما. ولست بناقص لأحد فضلا. ولا عائب له قولا.