للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشزر، ونافحوا بالظّبا، وصلوا السيوف بالخطا، واعلموا أنكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله فعاودوا الكر، واستحيوا عن الفر، فإنه عار فى الأعقاب، ونار يوم لحساب» .

فقوله: «واعلموا أنكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله» استطراد، ومنه قوله أيضا: «أما بعد يا أهل العراق فإنما أنتم كالمرأة الحامل، حملت فلما أتمت أملصت ومات قيّمها، وطال تأيمها، وورثها أبعدها، أما والله ما أتيتكم اختيارا، ولكن جئت إليكم سوقا، ولقد بلغنى أنكم تقولون: علىّ يكذب، قاتلكم الله فعلى من أكذب، أعلى الله فأنا أول من آمن به، أم على رسوله فأنا أول من صدقه، كلّا والله» ، فقوله: «قاتلكم الله» من الاستطراد الذى أخذ من الحسن حظا وافرا، وحل من البلاغة مكانا رفيعا. وما أشبه هذا الاستطراد فى كلامه هذا بقوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)

[المنافقون: ٤] فإن ما هذا حاله فى الآية من أعجب الاستطراد وأرقه، وألطف معانيه وأدقه، ومن تتبع كلامه عليه السلام فى المواعظ والكتب فى الآداب والحكم وجد فيه من ذلك شفاء العلل من دائها وكفاية لتلك الأفئدة من حر رمضائها. ومن كلام البلغاء فى ذلك ما قاله بعض الشعراء:

وأحببت من حبّها الباخلين ... حتى ومقت ابن سلم سعيدا

إذا سيل عرفا كسا وجهه ... ثيابا من اللؤم بيضا وسودا

فقوله: «حتى ومقت ابن سلم سعيدا» ، من الاستطراد لأنه صدر البيت بذكر كونه محبا لكل بخيل فصار أجنبيا، بالإضافة إلى ما صدر به الكلام، هكذا أورده عبد الكريم فى أمثلته، وليس منه لأن من حقه أن يكون واردا بين كلامين متلائمين، فأما عده فى الخروج لكونه مشتملا على معناه وحقيقته كما تراه فى ظاهره فهو جيد لا غبار عليه، بالإضافة إلى المقصد الذى قصده كما أوضحناه. ومن ذلك ما قاله السموءل بن عادياء «١» :

وإنّا لقوم ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول

فقوله: «إذا ما رأته عامر وسلول» ، من باب الاستطراد لخروجه عما صدر به الكلام الأول. ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس الطائى «٢» :

عوجا على الطلل المحيل لعلّنا ... نبكى الديار كما بكى ابن حذام

<<  <  ج: ص:  >  >>