للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدمتموه، أو حسن ثواب حزتموه، إنكم إنما تقدمون على ما قدمتم، وتجازون على ما أسلفتم، فلا تخدعنّكم زخارف دنيا دنية، عن مراتب جنات علية. إلى غير ذلك، فأما الأمثلة من كلام أمير المؤمنين فهى كثيرة، وله فيه اليد البيضاء والقدم السابقة، منها قوله فى خطبته الغراء: «الحمد لله الذى علا بحوله، ودنا بطوله، مانح كل غنيمة وفضل، وكاشف كل كريهة وأزل، أحمده على عواطف كرمه، وسوابغ نعمه وأومن به أولا باديا، وأستهديه قريبا هاديا، وأستعينه قاهرا قادرا، وأتوكل عليه كافيا ناصرا» ، ثم قال بعد ذلك:

«أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذى ضرب لكم الأمثال، ووقت لكم الآجال، وألبسكم الرياش، وأرفغ لكم المعاش» ، ثم قال فيها: «فإن الدنيا رنق مشربها، ردع مشرعها مونق منظرها موبق مخبرها، غرور حائل، وضوء آفل، وظل زائل، وسناد مائل» إلى غير ذلك من الكلام الذى تواخى سجعه، وعظم فى القلوب وقعه، وكثر إن صادف قلوبا واعية نفعه. فهذا ما يتعلق بالسجع القصير، وهو أكثر ما يكون فى الكتب والمواعظ والخطب المنسوبة إليه، وهو أضيق مسالك التسجيع كما مر بيانه ولكنه غير ضيق عليه لما أوتى من كنوز البلاغة ما إن مغالقه ليصعب على أكثر الخلق فتحها ثم قال «عباد الله الذين عمروا فنعموا، وعلموا ففهموا، ونظروا فلهوا وسلموا فنسوا، أمهلوا طويلا ومنحوا جميلا، وحذروا أليما ووعدوا جسيما، احذروا الذنوب المسخطة، والعيوب المورّطة، يا أولى الأبصار والأسماع، والعافية والمتاع، هل من خلاص، أو مناص، أو معاذ، أو ملاذ أو فرار أو مجاز، فأنى تؤفكون، أم أين تصرفون، أم بماذا تغترون» . فأما كلامه فى التطويل والمتوسط فهو كثير، ولنكتف بما ذكرناه من كلامه التقصير. فأما ما كان من البلغاء فى ذلك فلهم كلام واسع بليغ من التسجيع كالذى يكون فى المقامات الحريرية، والخطب النّباتية، وكلام ابن الجوزى فى مواعظه إلى غير ذلك فإن من يطالع هذه الكتب وغيرها فإنه يجد فيها من أفانين السجع وذكر أنواعه المختلفة ما يقنع الناظر وينشط الفاتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>