والرأل النعام، والمراد، ههنا أن نفسه فزعت وعظم فرارها، وشبهها فى فزعها وفرارها بإسراع النعام إذا فزع وفر، وهى إذا كانت مجازا فاستعمالها فعلا، وإن كان مستكرها، لكنه يخف قبحه، لما كان مستعملا استعمال المجاز، وإدراك ما ذكرناه من حسن الاستعمال وقبحه فى كونها اسما أو فعلا، يدرك بالذوق الصافى والقريحة المستقيمة عن شوائب البلادة، وثانيها: قولنا «وذر ودع» فإنهما من جملة الأفعال، ولا يستعملان فى الأزمنة الماضية استغناء عنهما بقولنا ترك، قال الله تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧)
[البقرة: ١٧] فإذا استعملا فى الماضى كان فيهما ركة ونزول عن الكلام الفصيح، وهذا من غريب الاستعمال وبديعه، أن يكون الماضى وإن كان أصلا لغيره من الأفعال، بعيدا فى الاستعمال، وفى هذا دلالة على أن الفصيح لا يوجد بطريق الأصالة والفرعية، وإنما طريقه كثرة الاستعمال والاطراد، فأما استعمالهما على جهة الدلالة على الأزمنة المستقبلة، إما مضارعا كقوله تعالى: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)
[الأعراف: ١٢٧] وإما على جهة الأمر كقوله: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا
[الحجر: ٣] وهكذا الأمر فى يدع، فإنه يستعمل للمضارع كقوله عليه السلام لو مدّ لنا الشهر لو اصلنا وصالا يدع المتعمّقون له تعمقهم، وفى الأمر كقول أمير المؤمنين متمثلا بقوله:
«دع عنك نهبا صيح فى حجراته»
وكقول زهير:
«فدع ذا وعد القول فى هرم»
فأما استعمالها على جهة المضى فلا يرد فى كلام فصيح، واستعمال «وذر» فى الماضى أقبح من استعمال «ودع» ، وثالثها لفظة «الحبر» فإنها إذا وردت مجموعة أفصح من ورودها مفردة، ولهذا لم تأت فى القرآن إلا مجموعة كقوله تعالى: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ
[التوبة: ٣١] ولم ترد مفردة فى القرآن فلا جرم حكمنا بأن موقعها فى الجموع أحسن من موقعها فى الإفراد، ومفردها حبر بكسر الحاء وفتحها، ورابعها عكس ذلك، وهو أن يكون استعمالها مفردة أحسن من استعمالها مجموعة، ومثاله لفظة «الأرض» فإنها لم ترد فى القرآن إلا مفردة، وجمعها إما على السلامة اللفظية كقولنا «أرضون» وإما على التكسير كأراض، وقد يستعمل