لأمره، وأنه الذى وقع الإهلاك به لقوم نوح، فيعظم الامتنان على من بقى فى السفينة بإزالته، وإنما قال «الأمر» فى قوله تعالى: وَقُضِيَ الْأَمْرُ
ولم يقل وقضى أمر نوح، أو قضى الهلاك، أو قضى الإغراق، لأمرين، أما أولا: فلأجل إيثار الاختصار، وتعويلا على الإيجاز، وأما ثانيا: فلأن وقوع ما وقع إنما كان من أجل العناية بنوح فى إغراق قومه، وإظهار الانصار له، فجاء باللام العهدية إشارة إلى ذلك، مع ما تضمن من الفخامة فى معرض الامتنان على نوح بالانتقام من قومه بما كذبوه، وإنما اختير وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ
[هود: ٤٤] ولم يقل: سويت كما قال: وغيض، وقضى، على البناء للمفعول لأمرين، أما أولا فمن أجل ثقل الفعل بالتضعيف عند بنائه لما لم يسم فاعله، فلهذا أوثر الأخف، وأما ثانيا فلأن الأكثر فى الاستعمال إضافة الأفعال إلى هذه الآيات، فيقال:
هبت الريح، ومطرت السحابة، واستوت السفينة على الماء، قال تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ
[هود: ٤٢] فأضاف الجرى إليها فلأجل ذلك اختير إضافة الاستواء إليها، وإنما اختير بُعْداً
ولم يقل: ليبعدوا لأمرين، أما أولا: فلأن فى المصدر نوع تأكيد لا يؤدى به الفعل لو نطق به. وأما ثانيا: فلأنه لو وجهه بالفعل كان مقيدا بالزمان، وهو إذا كان موجها بالمصدر كان مطلقا من غير زمان، فلهذا كان أبلغ من ذكر الفعل، وإنما عرّف القوم باللام إشارة إلى أنهم هم المخصوصون بهذه الأنواع من التنكيل دون غيرهم، وإنما أتى بلام الجر ولم يقل: فبعدا من القوم، لما فيها من الاختصاص المشعرة به اللام دون «من» فإنها غير مؤدية لهذا المعنى، وإنما أطلق صفة الظلم، ولم يقل الظالمين لأنفسهم تنبيها على شمول ظلمهم من جميع الوجوه، وفيه تنبيه على فظاعة شأنهم، وسوء اختيارهم لأنفسهم فيما كان فيهم، من تكذيب الرسل، وفيه شرح لصدر الرسول بالانتصار له على من كذبه، والتأسى بالصبر ووعيد لمن كذّبه بالنّصفة والانتقام منه.