ببدل الاشتمال فى مثل قولك: أعجبنى زيد علمه، وقد جاء الكل فى كتاب الله تعالى فى غير المسند إليه، فأما بدل الغلط فى مثل قولك: جاءنى زيد عمرو، فإنما يكون فى بداية الكلام وفيما يصدر على جهة الذهول، وكل الأبدال الثلاثة متفقة فى كونها بيانا على جهة القصد لها، بخلاف عطف البيان، فإن المقصود هو الأول منها كما هو مقرر فى علم النحو، فهى مختلفة فى البيان، مع كونها متفقة فى مطلق البيان، وأما العطف على المسند إليه، فهو غير وارد على جهة البيان، لأجل ما بينهما من المغايرة، فلا وجه لكونه بيانا له، وإنما هو وارد على جهة الاقتصاد للعامل، فلهذا تقول جاءنى زيد وعمرو، إذا لم تقصد الترتيب، وجاء زيد فعمرو، إذا قصدت الترتيب، من غير مهلة، وجاءنى زيد ثم عمرو، إذا كنت قاصدا للترتيب مع المهلة، وقد يرد تعليقا للحكم بأحد المذكورين، إما على جهة التعيين، نحو لا، وبل، ولكن، وقد يكون تعليقا للحكم بأحد المذكورين من غير تعيين كأو، وإما، وأم، ولسنا بصدد الإطناب فيما هو مفروغ من تقريره فى علم الإعراب إلا أن أحدا لا يجوز إلى مثل هذه الغايات، ولا يقف على حد هذه النهايات، إلا بعد إحراز علم الإعراب، وكد قريحته فى إتقان قواعده، وإقصاء فكرته فى حصر فوائده، وبعد ذلك يخوض فى علم البيان، الذى هو مصاص سكره، وياقوت جوهره، وينزل من علم الإعراب منزلة الإنسان من السواد، ومن أراد الاطلاع على أسرار علم التنزيل، وأن يحلى بعقيان عسجده جيده، وأن تعبق بعبير عنبره يده، فليشغل قلبه بإحراز تلك اللطائف، التى مثلها فى الرقة كلمحة بارق خاطف، ويمعن فى طلبها غاية الإمعان، متوقيا من أشخاص أهملوها وألحقوها لقصر هممهم بخبر كان، وثامنها: تقديمه على المسند نفسه، وذلك يكون لأحوال نرمز إلى شىء منها، إما لأن تقديمه هو الأصل ولم يعرض ما يقتضى العدول عنه، وإنما كان هو الأصل من جهة أنه طريق إلى معرفة ما يذكر بعده، ومن ثم اشترط تعريفه إلا بعارض، وإما لأنه استفهام فيستحق التصدير، كقولك: أيهم عندك، قال الله تعالى: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩)
[مريم: ٦٩] فى أحد وجوهه، وإما لأنه وارد على جهة الشأن والقصة، كقوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)
[الإخلاص: ١] وإما لأن فى تقديمه تشويقا للسامع إلى ما يكون بعده من الخبر، كقولك: الأمير قادم، والخليفة خارج إلى غير ذلك، وإما لأن يتقوى إسناد الخبر إليه لأجل تقديمه كقوله تعالى فى سورة النحل: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا (٨١)