للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السؤال الثامن: سلمنا أنها لو كانت واقعة لاشتهرت اشتهارا عظيما، لكنا لا نسلم أنها غير مشتهرة، بل قد وقع هناك معارضات للقرآن، فإن العرب قد عارضوه بالقصائد السبع وعارضه «مسيلمة» الكذاب بكلامه الذى يحكى عنه، وعارضه النضر بن الحارث بأخبار الفرس وملوك العجم، وعارضه ابن المقفع من كلامه وقابوس بن وشمكير، والمعرى، فكيف يقال إن المعارضة ما وقعت.

وجوابه هو أن النظار من أهل الفصاحة والبلاغة مجمعون على أن المعارضة بين الكلامين إنما تكون معارضة إذا كان بينهما مقاربة ومداناة بحيث يلتبس أحدهما بالآخر أو يكون أحدهما مقاربا للآخر، وكل عاقل يعلم بالضرورة أن هذه القصائد السبع ليس بينها وبين القرآن مقاربة ولا مداناة، بحيث يشتبه أحدهما بالآخر، وكيف لا وهذه القصائد من فن الشعر، والقرآن ليس من فنون الشعر فى ورد ولا صدر، فلا يجوز كونها معارضة له، وأما ما حكى عن النضر بن الحارث، فإنما نقل حكايات ملوك العجم، وليس من أسلوب القرآن، فلا يكون معارضا له، وأما ما يحكى عن «مسيلمة» الكذاب فهو بالخلاعة أحق منه بالمعارضة، لنزول قدره، وتمكنه فى الحماقة، لأن من حق ما يكون معارضا، أن يكون بينه وبين المعارض مقاربة ومداناة، بحيث يشتبه الأمر فيهما، فأما إذا كان الكلامان فى غاية البعد والانقطاع، فلا يعد أحدهما معارضا للآخر، ولنقتصر على هذا القدر من الأسئلة الواردة على الإعجاز ففيها كفاية فى مقدار غرضنا، لأن الكلام فى هذا الكتاب له مقصد آخر، وهو كالمنحرف عن هذه المقاصد، فإنه إنما يليق استقصاؤها بالمباحث الكلامية، وقد أشرنا فى الكتب العقلية إلى حقائقها وأشرنا إلى الأجوبة عنها وبالله التوفيق.

لا يقال: فلعل العرب إنما عجزوا عن معارضة القرآن ليس لأنهم غير قادرين عليها، وإنما تأخروا عن المعارضة، لعدم علمهم بما اشتمل عليه القرآن، من شرح حقائق صفات الله تعالى، والبعث والنشور وأحكام الآخرة، وأحوال الملائكة، وغير ذلك مما لا مدخل لأفهامهم فى تعقله وإتقانه، لأنا نقول هذا فاسد لأمرين: أما أولا فهب أن العرب كانوا غير عالمين بحقائق هذه الأشياء، لكن اليهود كانوا بين أظهرهم وكان عليهم السؤال عنها، ثم يكسونها عبارات يعارضون بها القرآن، وأما ثانيا فلأن اليهود أنفسهم كان فيهم فصحاء، فكان يجب مع علمهم بها أن يعارضوه، فلما لم تكن هناك معارضة لا من جهة اليهود، ولا من جهة غيرهم، دل على بطلانها وتعذرها، فهذا ما أردنا ذكره على هذا المسلك من الأسئلة والأجوبة عنها والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>