الدرجة الرابعة: كأنه قال وهنت عظام بدنى، جعله كناية عن ضعف حاله، ورقة جسمه، ثم تركت هذه الجملة إلى جملة أخرى أكثر تفصيلا منها.
الدرجة الخامسة: كأنه قال أنا وهنت عظام بدنى، فأعطيت مبالغة، لما قدم المبتدأ ببناء الكلام عليه كما ترى.
الدرجة السادسة: كأنه قال إنى وهنت العظام من بدنى فأضاف إلى نفسه، تقريرا مؤكدا «بإن» للأمر، واختصاصها بحاله، ثم تركت هذه الجملة بجملة غيرها.
الدرجة السابعة: كأنه قال إنى وهنت العظام منى، فترك ذكر البدن، وجمع العظام، إرادة لقصد شمول الوهن للعظام ودخوله فيها.
الدرجة الثامنة: ترك جمع العظام إلى إفراد العظم، واكتفى بإفراده فقال: إنى وهن العظم منى.
الدرجة التاسعة: ترك الحقيقة، وهى قوله أشيب، أو شاب رأسى، لما علم أن المجاز أحسن من الحقيقة، وأكثر دخولا فى البلاغة منها، ثم تركت هذه الجملة بجملة أخرى غيرها.
الدرجة العاشرة: أنه عدل عن المجاز إلى الاستعارة فى قوله: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً
[مريم: ٤] وهى من محاسن المجاز، ومن مثمرات البلاغة، وبلاغتها قد ظهرت من جهات ثلاث.
الجهة الأولى إسناد الاشتعال إلى الرأس لإفادة شمول الاشتعال بجميع الرأس، بخلاف ما لو قال: اشتعل شيب رأسى، فإنه لا يؤدى هذا المعنى بحال، فاشتعل رأسى وزان اشتعلت النار فى بيتى، واشتعل رأسى شيبا، وزان اشتعل بيتى نارا.
الجهة الثانية الإجمال والتفصيل فى نصب التمييز، فإنك إذا نصبت شَيْباً
كان المعنى مخالفا لما إذا رفعته، فقلت: اشتعل شيب رأسى، لما فى النصب من المبالغة دون غيره.
الجهة الثالثة تنكير قوله شيبا، لإفادة المبالغة، ثم إنه ترك لفظ (منى) فى قوله واشتعل الرأس شيبا، اتكالا على قوله: وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي
ثم إنه أتى به فى الأول، بيانا للحال وإرادة للاختصاص بحاله فى إضافته إلى نفسه، ثم عطف الجملة الثانية على الجملة الأولى بلفظ الماضى، لما بينهما من التقارب والملائمة، فانظر إلى هذا السياق المثمر المورق، وجودة هذا الرصف المعجب المونق، كيف ترك جملة إلى جملة، إرادة للإجمال بعده