قبلها من المناقضة، فإن تلك المناقضة فيه على زعمهم من جهة معناه، وهذه من جهة وصفه، وذلك أن الله تعالى وصف كتابه الكريم بالبيان، حيث قال تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ
[النحل: ٨٩] وبالنور فى قوله تعالى: وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً
[الشورى: ٥٢] وبالبراءة عن التعقيد فى قوله تعالى فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (١٢)
[هود: ١] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه لا لبس فيه ولا تعقيد فى ألفاظه، وقد رأيناه على خلاف ذلك، فيجب أن لا يكون كلام الله تعالى، وإنما قلنا: إنه ليس كذلك لأمور ثلاثة، أما أولا فلأن الحروف التى فى أوائل السور من المفردة نحو ق
ون
والمثناة نحو حم*
وطس
والمثلثة نحو الر
والم
والرباعية نحو المر
والمص
والخماسية نحو حم عسق
وكهيعص
غير معلوم المراد منها، وأما ثانيا فلأن أكثر المفسرين اضطربوا فى تفسير الآيات اضطرابا عظيما، وذكروا فى كل آية وجوها مختلفة، ولا يتمكنون من القطع بتفسير واحد، والقدح فيما عداه، وأما ثالثا فلأنه لا يوجد فيه آية دالة على شىء إلا والمنكر لذلك الشىء يعارضها بآية أخرى، ويذكر لها تأويلا يمنع من دلالتها على ذلك الشىء وهذه الأمور كلها دالة على أنه فى غاية التعقيد والإبهام ينقض بعضه بعضا.
والجواب عما أوردوه أن القرآن كما وصفه الله تعالى فى غاية البيان، لما تضمنه من الحقائق، وأشير إليه من مشكلات الدقائق، واضحة جلية.
قوله الحروف التى فى أوائل السور غير مفهومة، قلنا: قد ذكر العلماء فيها وجوها كثيرة، إما أنها أسماء للسور، وإما أنها وردت على جهة الإفحام لمن تحدّى بالقرآن، وإما لغير ذلك من الأسرار، فكيف أنها لا تعقل معانيها، ويكفى وجه من هذه الأوجه فى ٧ خراجها عن كونها غير معقولة المعانى.
وقوله: إن أكثر المفسرين اضطربوا فى تفسير الآيات كلها، قلنا: التفاسير المختلفة ليس يخلو حالها، إما أن تكون مشتركة فى معنى واحد، فيكون ذلك المعنى هو المقصود لله تعالى لاتفاقهم عليه، وإن لم يكن الأمر فيه كما أشرنا إليه فمن جوز حمل الكلام المشترك على كلا مفهوميه، فإنه يحمله عليهما جميعا، فيكونان مقصودين على هذا، ومن لم