للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن كانت جرزا هامدة، يطير ترابها، فصارت مخضرة مونقة وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

[الحج: ٦] على جميع الممكنات، فلا يشذ عن قدرته شىء من كلياتها، ولا شىء من جزئياتها، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ

[الحج: ٧] يشير به إلى أحوال البعث، والحشر، والنشر، وأمور القيامة، فقد اشتملت هذه الآية على المعانى الجمة، والنكت الغزيرة، ولو ذهبنا نستقصى ما تضمنته من الأسرار الإلهية والدقائق المصلحية، لسردنا أوراقا، ولم نحرز منه أطرافا، ومن عجيب سياقها وحلاوة طعمها ومذاقها، اشتمالها على المجازات المفردة، والمركبة.

فأما المجازات المركبة فهى مواضع أربعة، ففى الأرض ثلاثة فى قوله: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ

فإسناد هذه الأفعال إلى الأرض إنما كان على جهة المجاز، والفاعل لها هو الله تعالى، وفى وصف الساعة مجاز واحد فى قوله تعالى: وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ

لأن الآتى بها هو الله تعالى.

وأما المجازات المفردة فأكثر سياق الآية مشتمل عليه كقوله تعالى: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ

فالفاء للسببية وليست سببا فى ثبوت البعث، وإنما هو وارد على جهة المجاز، وقوله تعالى: خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ

فإنه ليس على حقيقة العموم فإن المخلوق من تراب، إنما هو «آدم» لا غير، وقوله: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ

ليس على عمومه، فعيسى عليه السلام وحواء ليسا مخلوقين من نطفة، وهكذا سائر ألفاظ الآية، فإنها غير خالية عن استعمال المجازات، ومن أجل هذا رق مشربها، وساغ مستعذبها.

الآية الثالثة، قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤)

[الشورى: ٣٤] .

فانظر إلى هذا الأسلوب، ما ألطف مجراه، وما أحسن بلاغته، وأدق مغزاه، قدم الخبر فى قوله وَمِنْ آياتِهِ

ولو أخره ذهبت تلك الحلاوة، وبطل ما فيه من الرونق.

وانظر إلى طرح الموصوف فى قوله الْجَوارِ

ولم يقل الفلك الجوارى، وجمعه على فواعل، ولم يجمعه على جاريات، ولو فعل شيئا من ذلك لنقصت بلاغته، ونزلت فصاحته، وقال فِي الْبَحْرِ

ولم يقل فى العبب، ولا فى الباحة، ولا فى الطمطام، وهى من أسماء البحر، لما فى لفظة البحر، من الرقة واللطافة وقوله كَالْأَعْلامِ

من باب تشبيه

<<  <  ج: ص:  >  >>