للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجب تطهير مكان الطائف، فتطهير بدن الطائف من الحدثين الأصغر والأكبر أَوْلى.

ولأن عائشة لما حاضت، قال لها النبي : «فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» فالحائض تُمنع من الطواف لوجود الحَدَث.

وكذا وَرَد أن صفية بنت حُيَيٍّ زَوْج النبي حاضت في حَجَّة الوداعِ، فقال النبي : «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» أي أن النبي والصحابة يُحبَسون ويَمكثون بمكة حتى تَطهر صفية وتطوف، فدل ذلك على اشتراط الطهارة من الحَدَث لصحة الطواف.

وعن عائشة قالت: «إنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ» فطواف النبي على طهارة جاء بيانًا وتفصيلًا لمُجْمَل قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] وفِعْلَ النَّبِيِّ إِذَا كَانَ لِبَيَانِ نَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ عَلَى اللُّزُومِ.

فدل مجموع هذه الأدلة على وجوب الطهارة من الحدثين لصحة الطواف.

المطلب الثاني: طواف الحائض عند تعذر بقائها، وامتناع رجوعها لمكة:

أَجْمَع العلماء على تحريم الطواف على الحائض (١).

واختَلفوا فيما إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة، وامتَنع رفقتها من انتظارها؛ فهل يَجوز لها أن تطوف للإفاضة وهي حائض؟ على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الحائض ليس لها أن تطوف حتى تطهر؛ إذ إن الطهارة شرط لصحة الطواف. وهو مذهب المالكية والشافعية، وهو الصحيح عند الحنابلة.

الثاني: أن الحائض لها أن تطوف بعد أن تتحفظ من الدم؛ لأن الطهارة واجبة في الطواف، وعليها أن تَفدي. وهو مذهب الحنفية وبعض المالكية، ورواية عن أحمد.


(١) قال ابن عبد البر: الحائض لا تطوف بالبيت، وهو أَمْر مُجْمَع عليه، لا أعلم فيه خلافًا. «التمهيد» (١٧/ ٢٦٦).
وقد نَقَل الإجماع على ذلك: النووي في «المجموع» (٢/ ٣٥٦)، وابن حزم في «المُحَلَّى» (١/ ٣٨٠)، وابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٢٦٩) وغيرهم كثير.

<<  <   >  >>