للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في حكم المسجد الحرام، أو أن المسعى مستقل بأحكامه كما كان؟ على قولين:

الأول: أن المسعى بعد دخوله في مبنى المسجد الحرام، وأصبح ضمن جدرانه- لا يأخذ أحكام المسجد الحرام؛ لأنه مَشْعَر مستقل بأحكامه الخاصة. وهو قول المَجْمَع الفقهي وابن باز وابن عثيمين (١).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة والمعقول:

أما الكتاب، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨].

وَجْه الدلالة: أن هذه الآية أثبتت أن الصفا والمروة مَشْعَران مستقلان عن غيرهما، ولهما أحكامهما الخاصة، ولهما عبادة خاصة، ولا يَلزم ملاصقتهما لمَشْعَر آخَر أن يأخذا أحكامه، فالمسعى لا يَزال محلًّا للنسك المشروع فيه، ولم يَحدث فيه إلا البناء، والبناء لا يُغيِّر حكمًا شرعيًّا ثابتًا للبقعة؛ ولذا فقد نَصَّ الفقهاء على أنه لا يجوز إعطاء حكم المسجد لغيره، ولو شاركه في الجدار؛ ولذا لا تُعطَى مدرسة مشتركة مع المسجد في الجدار- حُكْم المسجد من صحة الاقتداء أو جواز الاعتكاف.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: كَوْن مَشْعَر المسعى مستقلًّا بأحكامه لا يَمنع أن يأخذ أحكام المسجد، إذا قام السبب الشرعي المقتضي لذلك، مع بقاء الحُكم الشرعي الثابت لمَشْعَر المسعى؛ إذ لا منافاة بينهما.


(١) قرار المَجْمَع الفقهي بمكة (ص: ٧٧) بالأغلبية- أن المسعى بعد دخوله ضمن مبنى المسجد الحرام لا يأخذ حُكم المسجد ولا تشمله أحكامه؛ لأنه مَشْعَر مستقل، يقول الله ﷿: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨]
وقد قال بذلك جمهور الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة. وتَجوز الصلاة فيه مُتابَعة للإمام في المسجد الحرام، كغيره من البقاع الطاهرة. ويَجوز المكث فيه والسعي للحائض.
وكذا فإن مجلس هيئة كبار العلماء رأى بالأكثرية عدم جواز الطواف فوق جزء من سطح المسعى؛ لأن المسعى يُعتبَر خارج المسجد الحرام، وليس جزءًا منه، بل هو مَشْعَر مستقل بأحكامه، وما يُؤدَّى فيه من عبادات والطواف إنما هو في المسجد الحرام؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾. «توضيح الأحكام من بلوغ المرام» (٤/ ١٤٧) و «فتاوى ابن عثيمين» (٢٢/ ٢٨٩).

<<  <   >  >>