للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ: يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا (١).

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ السَّبِيلَ، حِينَ سُئِلَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» (٢).

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الحَجَّ أَحَدُ الأَرْكَانِ، فَكَانَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ. وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ بِصِفَةِ التَّوَسُّعِ يُخْرِجُهُ عَنْ رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَخَّرُ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَلَا يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ فِعْلِهِ (٣).

القول الآخَر: أن الحج يجب على التراخي. وهو قول الشافعي (٤).

واستدلوا لهذا القول بالقرآن والسُّنة والمعقول:

أما القرآن، فاستدلوا بأن الحج فُرِض سَنة ست من الهجرة بقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] والنبي لم يحج إلا في السَّنة العاشرة، فدل ذلك على التراخي.

واعتُرض عليه بما قاله ابن القيم: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، فَإِنَّهَا وَإِنْ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَيْسَ فِيهَا فَرْضِيَّةُ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الِابْتِدَاءِ (٥).

وأما السُّنة، فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ … فَقَالَ: زَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: «صَدَقَ» (٦).


(١) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (١٥٠٦١) عن الحَكَم، عن عَدِيّ بن عَدِيّ، عن أبيه، به.
(٢) ضعيف جدًّا: أخرجه الترمذي (٨٢٤). وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخُوزِي، وهو متروك.
(٣) «المغني» (٥/ ٣٧).
(٤) «المجموع» (٧/ ١٠٣). وهوقول محمد بن الحسن، كما في «بدائع الصنائع» (٢/ ١١٩)
(٥) «زاد المعاد» (٢/ ٩٦)، و «الذخيرة» (٣/ ١٨١).
(٦) أخرجه مسلم (١٢).

<<  <   >  >>