للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: قوله: «ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ بِيَوْمَيْنِ» أي: يَجوز للرعاة أن يَرموا في أول أيام التشريق، ليومين، وإنه إذا جاز للرعاة أن يُقَدِّموا رمي اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الأول، وهو تقديم يوم بكامله، فمِن باب أَوْلَى أن يَجوز تقديمه في اليوم نفسه قبل الزوال.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: جاء الحديث من طريق أخرى، وفيه أَنَّ النَّبِيَّ أَرْخَصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَتَعَاقَبُوا، فَيَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَدَعُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ يَرْمُوا الْغَدَ (١).

فهذه الرواية بَيَّنَتْ أن الرمي لا يُقَدَّم إلى اليوم الأول، ولكن يُؤخَّر رمي اليوم الأول إلى اليوم الثاني، وعلى هذا يَبطل الاستدلال بالحديث على جواز الرمي قبل الزوال.

الثاني: أن الرخصة خاصةٌ بالرعاء، ويُلْحَق بهم غيرهم من أهل الأعذار، ومَن عداهم يَبقى على الأصل وهو الرمي بعد الزوال.

واستدلوا بما رُوي: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، وَأَيَّ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ شَاءُوا (٢). أي: في أي ساعة من النهار، قبل الزوال وبعده.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ فَقِيلَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ. فَقَالَ: «لَا حَرَجَ» (٣).

فهذا دليل على جواز الرمي قبل الزوال؛ لأن الرجل ما سأل عن الرمي مساء، إلا بعد أن تَقَرَّر لديه جواز الرمي نهارًا قبل الزوال وبعده.

واعتُرض عليه بأن هذا الحديث خاص بترتيب أعمال يوم النحر، وليس أيام التشريق،


(١) إسناده صحيح: أخرجه أحمد (٢٣٧٧٧).
(٢) ضعيف: أخرجه الدارقطني (٢٦٨٥). وفي إسناده إبراهيم بن يزيد، قال ابن القَطَّان: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ هَذَا إِنْ كَانَ هُوَ الْخُوزِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ «نَصْب الراية» (٣/ ٨٦).
(٣) رواه البخاري (١٧٢٣).

<<  <   >  >>