للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرمي يوم النحر يكون من الضحى قبل الزوال.

وأما المعقول، فاستدلوا بأن من قواعد الشرع رَفْع الحرج ونَفْي المشقة في الحج وغيره، ومع كثرة الحُجاج وما يَحدث من زحام وتَدافُع يؤدي في بعض الأحيان إلى إزهاق الأنفس عند زوال الشمس، وهذه مشقة، والمشقة تَجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات، والله يقول: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٩] فكل هذه الأمور تدل على جواز الرمي قبل الزوال.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: دعوى الضرورة مردودة؛ لأن الزحام في بعض الأوقات كبَعْد الظهر، وفي بعض الأدوار كالدور الأول، ويمكن تأخير الرمي بعد العصر حتى يزول الزحام؛ لأن الوقت الذي يُشْرَع فيه الرمي طويل.

الثاني: أن الأعذار والضرورات لا تجيز تقديم العبادة عن وقتها، فالمريض لا يصلي الظُّهر قبل الزوال بحال، فكذا لا يجوز الرمي قبل الزوال، ولا سيما مع توسيع الجمرات وكثرة الأدوار والوقت الطويل الذي يُشْرَع فيه الرمي.

واستدلوا بما رُوي: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: رَمَقْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَمَاهَا عِنْدَ الظَّهِيرَةِ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ (١). أي: قبل الزوال.

ونوقش بأن هذا يحتمل أن يكون في يوم النحر، ولو كان في أيام التشريق فقد خالفه غيره من الصحابة، والعبرة بفعل النبي ، وقد رمى بعد الزوال.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: ذَهَبْتُ أَرْمِي الْجِمَارَ، فَسَأَلْتُ: هَلْ رَمَى ابْنُ عُمَرَ ؟ فَقَالُوا: لَا، وَلَكِنْ قَدْ رَمَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. يَعْنُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ . قَالَ عَمْرٌو: فَانْتَظَرْتُ ابْنَ عُمَرَ ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ، فَأَتَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى فَرَمَاهَا (٢).


(١) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (١٤٧٩٥): ولا تضر عنعنة ابن جُريج، قال يحيى القطان: أحاديث ابن جُريج عن ابن أبي مُليكة كلها صحاح. كما في مقدمة «الجَرْح والتعديل» (ص: ٢٤١).
(٢) إسناده ضعيف إلى ابن الزبير: أخرجه الفاكهي (٢٦٦٤). وفي إسناده محمد بن أبي عمر العدني، صدوق، كان ملازمًا لابن عُيينة، قال أبو حاتم: وكانت فيه غفلة. «التقريب» (٦٣٩١).
وهو متصل؛ لأن عمرو بن دينار أَخْبَر عن مشاهدته لرمي ابن عمر، ولم يُخْبِر عن مشاهدته لابن الزبير مباشرة، وإنما بواسطةٍ غير مسماة، فهو من التحديث عن المُبْهَم.

<<  <   >  >>