للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: أن هذا يُفْهَم منه أن ابن الزبير رمى قبل الزوال.

ونوقش هذا الاستدلال من ثلاثة أوجه:

الأول: أنه ضعيف، وأنه جاء خلاف هذا القول عن ابن الزبير، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَعُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَرْمِيَانِ الْجِمَارَ، بَعْدَ مَا زَالَتِ الشَّمْسُ» (١). وهذا هو الأرجح من فعل ابن الزبير، وهو موافق لعمل الصحابة.

الثاني: أن في الأثر نفسه أن ابن عمر لم يَرْمِ حتى زالت الشمس.

الثالث: أن هذا الأثر يدل على أن الإمام لا يَرمي إلا بعد زوال الشمس، وإلا لزم أن ابن عمر يفتي مَنْ سأله بالاقتداء بمن يَعلم أنه يخالف هَدْي النبي في وقت الرمي! وهذا في غاية البطلان، ولا سيما وابن عمر قد اشتهر بتعظيم السُّنة بما يَعرفه كل أحد.

وأما القياس، فاستدلوا بأمرين:

الأول: كما أنه يَجوز الرمي بعد طلوع الشمس في يوم النحر، فكذا يَجوز في أيام التشريق؛ لأن الكل أيام نحر، ولا يُفَرَّق بين مُتماثلَين.

واعتُرض عليه بأن مَنْ قاس الرمي في أيام التشريق على يوم النحر في وقته، فعليه أن يقيسه في الكيفية، فلا يَرمي في سائر أيام التشريق إلا جمرة العقبة؛ قياسًا على يوم النحر! ولا شك أن هذا مُخالِف لهديه بالإجماع، وهو القائل: «خذوا عني مناسككم».

الثاني: أنه إذا كان يَجوز للحاج تأخير رمي الجمار إلى آخِر أيام التشريق؛ لأن يوم النحر مع أيام التشريق وقت واحد للرمي، فمِن باب أَوْلَى القول بجواز رمي كل يوم في يومه قبل الزوال.

ونوقش بأن هذا القياس غير صحيح؛ لأن رمي الجمار قبل الزوال رَمْي لها قبل وقتها، وفِعل العبادة قبل وقتها مُبْطِل لها، بينما جَمْعها في آخِر يوم هو من جنس تأخيرها عن وقتها، وهو غير مُبْطِل لها، إنما فيها التحريم إذا لم يكن معذورًا.

القول الثالث: لا يَجوز الرمي قبل الزوال إلا في يوم النفر، فمَن نَفَر في الثاني عشر أو في


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (١٤٧٩٤) وإسناده حسن؛ لحال أبي خالد الأحمر. وابن جُريج من أعلم الناس بعمرو بن دينار، كما قاله ابن المديني والدارقطني «شرح علل الترمذي» (٢/ ١٣٠).

<<  <   >  >>