للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من التأويل يعذر صاحبه فمعنى فليس مني أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج من الملة، وإن كان إعراضًا وتنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى فليس مني أي على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، قال القرطبي: وما دلت عليه الأحاديث من راجحية النكاح هو أحد القولين وهذا حين كان في النساء المعونة على الدين والدنيا وقلة التكلف والشفقة على الأولاد، وأما في هذه الأزمنة فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن النسوان فوالله الذي لا إله إلا هو لقد حلت العُزبة والغزلة، بل ويتعين الفرار منهن ولا حول ولا قوة إلا بالله اهـ. (قلت): وهذا الذي قاله القرطبي بالنظر إلى ما يناسب مع ظروفه وزمانه وإلا ففي كل زمان نساء مؤمنات صالحات طيبات مساعدات على الدين والدنيا والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ٢٤١]. والبخاري [٥٠٦٣]، والنسائي [٦٠/ ٦].

تتمة: قال القرطبي: وقد ذكر البخاري حديث أنس هذا على سياق أحسن من سياق مسلم وأتم فقال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فلما أُخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم القائلون كذا، أما إني والله لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

(قلت): فهؤلاء القوم حصل عندهم أن الانقطاع عن ملاذ الدنيا من النساء والطيب من الطعام والنوم والتفرغ لاستغراق الأزمان بالعبادات أولى فلما سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبادته ولم يدركوا من عبادته ما وقع لهم أبدوا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مغفور له، ثم أخبر كل واحد منهم بما عزم على فعله فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بأن ألغى الفارق بقوله: (إني أخشاكم لله) وتقرير ذلك إني وإن كنت مغفورًا لي فخشية الله وخوفه يحملني على الاجتهاد وملازمة العبادة لكن طريق العبادة ما أنا عليه فمن رغب وتركه فليس على طريقي في العبادة.

(قلت): ويوضح هذا المعنى ويبينه أن عبادة الله إنما هي امتثال أوامره الواجبة

<<  <  ج: ص:  >  >>