للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ. وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ. وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي"

ــ

حال رجال (قالوا: كذا وكذا) كره رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم ولم يعيّن قائلهم لئلا يحصل توبيخ في الملإ، وفي رواية البخاري فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا" قال الحافظ: ويُجمع بأنه منع من ذلك عمومًا جهرًا مع عدم تعيينهم كما في رواية مسلم ثم خصوصًا فيما بينه وبينهم رفقًا بهم وسترًا لهم كما في رواية البخاري و (لكني أصلي) بعض الليل (وأنام) بعضه، وفي رواية البخاري: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكن أصوم وأفطر" قال الحافظ: فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة، بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه لا يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما دام عليه صاحبه، قال: وفيه إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرًا من مجرد العبادة البدنية والله أعلم اهـ، قال القاري: قوله: (لكني) الخ استدراك على محذوف تقديره: أما أنا فاخشاكم لله وأتقاكم له، فينبغي على زعمكم أو في الحقيقة أن أقوم في الرياضة إلى أقصى مداه لكن أقتصد وأتوسط فيها فأصلي بعض الليل وأنام في بعضه (وأصوم) في وقت (وأفطر) في آخر، قال الأبي: رحمه الله تعالى في جواب من قال: لا آكل اللحم، وبيان مطابقته أنه جعل قوله: لا آكل اللحم كناية عن إدامة الصوم فقال في الرد عليه: لكني أصوم وأفطر، والمطابقة في غيره واضحة (وأتزوج النساء) ولا أزهد فيهن، وكمال الرجل أن يقوم بحقهن مع القيام بحقوق الله تعالى والتوكل عليه والتفويض إليه وهذا كله لتقتدي بي الأمة (فمن رغب) وأعرض (عن سنتي) وطريقتي يعني من تركها إعراضًا عنها غير معتقد لها على ما هي عليه (فليس مني) أي من أهل هديي، قال الحافظ: المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحنفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل، وقوله: (فليس مني) إن كانت الرغبة بضرب

<<  <  ج: ص:  >  >>