للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القرطبي: والحياء انقباض وحشمة يجدها الإنسان من نفسه عند ما يُطَّلَعُ منه على ما يستقبح ويذم عليه، وأصله غريزي في الفطرة، ومنه مكتسب للإنسان كما قال بعض الحكماء في العقل:

رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومصنوع

ولا ينفع مصنوع ... إذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع العين ... وضوء الشمس ممنوع

هذه الأبيات أوردها الماوردي في أدب الدين والدنيا، وهذا المكتسب هو الذي جعله الشرع من الإيمان، وهو الذي يكلف به، وأما الغريزي فلا يكلف به، إذ ليس ذلك من كسبنا، ولا في وسعنا، ولم يكلف الله نفسًا إلا وسعها، غير أن هذا الغريزي يحمل على المكتسب ويعين عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير" "والحياء خير كله" كما سيأتي في مسلم، وأول الحياء وأولاه الحياء من الله تعالى، وهو أن لا يراك حيث نهاك وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة ومراقبة له حاصلة وهي المعبر عنها بقوله "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" كما سبق في مسلم.

وقد روى الترمذي من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "استحيوا من الله حق الحياء فقالوا: إنا نستحيي والحمد لله، فقال: ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وتذكر الموت والبلى فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء" رواه أحمد (١/ ٣٨٧) والترمذي (٢٤٦٠).

قال الشيخ وأهل المعرفة في هذا الحياء منقسمون كما أنهم في أحوالهم متفاوتون كما تقدم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جُمع له كمال نوعي الحياء، فكان في الحياء الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها وفي حيائه الكسبي في ذروتها اهـ مفهم.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (٢/ ٤١٤ و ٤٤٥) والبخاري (٩) وأبو داود (٤٦٧٦) والترمذي (٢٦١٤) والنسائي (٨/ ١١٠) وابن ماجه (٥٧)، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>