ضبطها، فأين هذه عما أثر عن العرب من قولهم «القتل أنفى للقتل» . وقد تميزت الآية عنه بوجوه ثلاثة، أما أولا فلأن قوله: الْقِصاصِ حَياةٌ
لفظتان، وما نقل عنهم فيه أربع كلمات. وأما ثانيا فالتكرير فيما قالوه، وليس فى الآية تكرير، وأما ثالثا فلأنه ليس كل قتل نافيا للقتل، وإنما يكون نافيا إذا كان على جهة القصاص، وكم فى القرآن من هذا القبيل.
«المثال الثانى» ما ورد عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهذا كقوله عليه السلام «الخراج بالضّمان» .
والسبب فى ذلك هو أن رجلا اشترى من غيره عبدا فأقام عنده مدة ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنى أستغل عبدى. فقال:«الخراج بالضمان» ومعنى هذا أن غلّته تكون للمشترى، لأنه لو تلف قبل الرد كان تالفا من ضمانه، فلهذا كان ضمانه عليه، ومن هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم:«لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام» ومعنى قوله: «لا ضرر» أى لا ينبغى لأحد أن يضر غيره، ومعنى قوله:«لا ضرار فى الإسلام» أنه لا ينبغى لك أن تضر أحدا، ولا ينبغى له أن يضرك. ومن هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم:
«المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وعوّدوا كلّ جسم ما اعتاد» فهذه الألفاظ الثلاثة قد جمعت من المعانى الحكمية، والأسرار الطيبة، ما لا يحيط بوصفه إلا الله. ومن هذا قوله عليه السلام «الطمع فقر واليأس غنى» فهذا من جوامع الكلم التى خصّ بها.
«المثال الثالث» ما ورد من كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه من الكلام القصير كقوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف قدره، من فكّر فى العواقب لم يشجع، الناس أعداء لما جهلوا، من استقبل وجوه الآراء عرف وجوه الخطاء، من أحدّ سنان الغضب لله قوى على قتل أسد الباطل، وقوله: إذا هبت أمرا فقع فيه، فإنّ وقوعك فيه أهون من توقّيه، آلة الرّياسة سعة الصدر، الطمع رق مؤبّد، ثمرة التفريط الندامة، وقال عليه السلام أغض على القذى، وإلّا لم ترض أبدا، وقال: لكل مقبل إدبار، وما أدبر كان كأن لم يكن، لا يعدو من الصبور الظّفر وإن طال به الزمان، إلى غير ذلك من الكلمات القصيرة التى قصرت أطرافها وفاتت العد فى معانيها.
«المثال الرابع» ما أثر عن أهل البلاغة قال بعض الأعراب: اللهم هب لى حقك، وأرض عنى خلقك، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: هذا هو البلاغة، وكما أثر عن الحريرى فى مقاماته استعمال المداراة، توجب المصافاة، وقوله ملك الخلائق شين الخلائق، التزام الحزامة ذمام السلامة، تطلب المثالب من المعايب، عند الأوجال، يتفاصل الرجال،