موجب الصبر، ثمرة النصر، إلى غير ذلك ولا يكاد يوجد إلا على القلة فى كلام الفصحاء، والقرآن يوجد فيه كثير، وما ذاك إلا لأنه قد حاز معظم البلاغة.
المثال الخامس ما ورد فيه من المنظوم وهذا كقول السموأل بن عادياء الغسانى «١» :
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
فهذا البيت قد اشتمل على مكارم الأخلاق من سماحة، وشجاعة، وتواضع، وحلم، وصبر، وتكلّف، واحتمال المكاره، فإن هذه الأمور كلها مما تضيم النفوس لما يحصل فى تحملها من المشقة والعناء، ومن ذلك ما قاله أبو تمام:
وظلمت نفسك طالبا إنصافها ... فعجبت من مظلومة لم تظلم
وأراد بقوله: ظلمت نفسك طالبا إنصافها، أنك أكرمتها على تحمل الأثقال فى مشاق الأمور، فإذا فعلت ذلك فقد ظلمتها، ثم إنك مع ظلمك إياها فقد أنصفتها؛ لأنك جلبت إليها أشياء حسنة تكسبها ذكرا جميلا، ومجدا مؤثّلا، فكنت منصفا لها فى صورة ظالم، ومعنى قوله فعجبت من مظلومة لم تظلم، أنك ظلمتها وما ظلمتها فى الحقيقة، فقد أعجب فى بيته هذا بجمعه فيه بين النقيضين الظلم، والإنصاف كما ترى، ولنقتصر على هذا من حقائق الإيجاز ففيه كفاية.