للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه تعالى محتجب عن إدراك العيون، وإما من غير ذلك، فأما من زعم كونه اسما عجميا سريانيا، فقد أبعد، إذ لا دلالة على ذلك، والقرآن كله عربى، إلا ما قام البرهان القاطع على كونه فارسيا أو روميا، وقد يذكر العلم المسند إليه، والمراد به التحقير كقوله تعالى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)

[المسد: ١] فإيراده هنا باسمه دال على تحقيره وإهانته، والمعنى تبت يدا رجل حقير مهين، أو يراد بذكره كناية، كأنه قال تبت يدا من يستحق اللعن والعذاب العظيم، وهو هذا، فلقبه هذا نازل منزلة العلم فى حقه لما فيه من الإشادة والإشهار به، فمن أجل ذلك ذكره الله تعالى به، وحذف اسمه العلم، وهو «عبد العزّى» لاشتماله على ما ذكرناه من صفاته المذمومة، كأنه قال صاحب هذه الكنية هو الكافر اللعين المتمرد صاحب العداوة للرسول صلّى الله عليه وسلّم، والمستحق لغضب الله تعالى وسخطه، وأما تعريفه بالإشارة فقد يكون لتعريف حاله وإيضاحه، إما لتعظيم حاله بالإشارة الموضوعة للبعد كقوله تعالى ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ

[البقرة: ٢] وإما للتحقير كقوله تعالى:

إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ

[آل عمران: ١٧٥] وقد يرد لتعظيم حاله بالإشارة الموضوعة للقريب كقوله تعالى: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣)

[قريش: ٣] أو للتحقير كقوله تعالى وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ

[الأنبياء: ٣٦] وقد يرد بالإشارة المتوسطة، إما للتعظيم وكمال العناية به كقوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)

[البقرة: ٥] وإما للتحقير كقوله تعالى: فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣)

[المؤمنون: ١٠٣] ومما ورد على جهة الإشارة فى البعد قوله تعالى: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ

[يوسف: ٣٢] ولم يقل: هذا يوسف، ولا قال: فذاك، على جهة القرب والتوسط، وإنما أشار إليه بما يقتضى البعد، رفعا لمنزلته فى الحسن، واستبعادا عن أن يدانى فيه، وتنبيها على كونه مستحقا لأن يحب ويفتتن به، ومن قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)

[الزخرف: ٧٢] ولطائف هذا الجنس لا تكاد تنحصر، ومواقعه أكثر من أن تحصى، وقد جرى فى تعريف الإشارة ما ليس على جهة المسند إليه كقوله تعالى فى الإشارة إلى القريب لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣)

[قريش: ٣] فإنه ليس من المسند إليه فى شىء، وجريه كان على جهة التوسع فى التمثيل، وأما تعريفه بالموصولية، فإنه يقصد بتعريفه بالصلة، إحضاره فى الذهن بجملة معلومة للمخاطب، ومن ثم اشترط فيها أن تكون

<<  <  ج: ص:  >  >>