نعجز عنه كخلق الصور والصفات، ويؤيد ما ذكرناه من عجزهم ويوضحه، أنهم عدلوا عن المعارضة ٧ لى تعريض النفس للقتل، مع أن المعارضة عليهم كانت أسهل وما ذاك إلا لما أحسوا به من العجز من أنفسهم عنها، فثبت بما ذكرناه كون القرآن معجزا، وتمام تقرير هذه الدلالة بإيراد الأسئلة الواردة عليها والانفصال عنها.
اعلم أن للملاحدة لعنهم الله وأبادهم، أسئلة ركيكة على كون القرآن معجزا، ولابد من إيرادها، وإظهار الجواب عنها، وجملة ما نورده من ذلك أسئلة ثمانية.
السؤال الأول: منها قولهم: لا نسلّم أن القرآن معجز، وعمدتكم فى إعجازه إنما هو التحدى وقررتم التحدى على تلك الآيات التى تلوتموها، ونحن ننكر تواترها، فإن المتواتر من القرآن إنما هو جملته دون الآحاد منه، ويؤيد ما ذكرناه، ما وقع من التردد والاختلاف فى مفرداته، دون جملته، بدليل أمور ثلاثة، أما أولا فلأنه نقل عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه أنكر الفاتحة والمعوذتين أنها من القرآن، وبقى هذا الإنكار إلى زمن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وأما ثانيا فلما وقع من الخلاف الشديد فى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
[الفاتحة: ١] هل هى من القرآن أولا، وقد أثبتها ابن مسعود فى صدر سورة براءة، ونفاها أبى بن كعب وزيد بن ثابت، وأما ثالثا فلما يحكى عن أبى بن كعب، أنه أثبت فى القرآن آية القنوت وهى قوله:«اللهمّ اهدنى فيمن هديت» وقوله:
«لو أنّ لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا»«١» ونفى ذلك ابن مسعود وغيره فهذه الأمور كلها دالة على أنه غير متواتر فى تفاصيله، وآيات التحدى من جملة التفاصيل، فلهذا لم يحكم بثبوتها فى المصحف، فلا يكون فيها دلالة.
وجوابه من وجهين: أما أولا فلأنا نقول القرآن بجملته وتفاصيله كلها منقول بالتواتر، سواء، من غير تردد فى ذلك، والبرهان على ذلك هو أنا نعلم بالضرورة من غير شك، أن فى هذا الزمان لو حاول أحد أن يدخل فيه حرفا ليس منه أو يخرج منه حرفا هو فيه، لوقف على موضع الزيادة والنقصان، جميع الصبيان، فضلا عن أكابر العلماء وأفاضل الناس، فكيف تصح هذه الدعوى، بأن تكون تفاصيله غير متواترة.
وأما ثانيا: فلأنا نعلم بالضرورة أن حال الناس فى التشدد عن المنع من تغيير القرآن وتبديله فى عهد الصحابة رضى الله عنهم، إن لم يكن أقوى من حال زماننا هذا، فإنه ما