كان أقل منه، فإذا لم يؤثر فيه خلاف وتردد فى زماننا فهكذا حال من قبل، وهذا يبطل كلام الملاحدة فى أنه غير متواتر التفاصيل.
قولهم: إن ابن مسعود أنكر الفاتحة والمعوذتين أنها من القرآن، قلنا: هذه الرواية عن ابن مسعود من باب الآحاد فلا تعارض ما كان مقطوعا به، وأيضا فإنه لم ينكر نزولهما من عند الله، وأنه جاء بهما جبريل، ولكن ادّعى أن المعوذتين نزلتا عوذة للحسنين، وأن الفاتحة إنما أنزلت من أجل الصلاة تفتتح بها، ولم ينكر ما ذكرناه من ثبوت أحكام القرآن فيها، فهو يسلّم أنها من القرآن بالمعنى الذى ذكرناه، وينكر كتبها فى جملة القرآن، وهذا خلاف لفظى لا طائل وراءه.
قولهم: الناس قد اختلفوا فى التسمية، قلنا: خلاف من خالف فى أنها ليست من القرآن ليس ينكر أنّ جبريل نزل بها ولا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يقرؤها، ولكن زعم أنها للتبرك، والفصل بين السور، فقد أقرّ بكونها من القرآن بالمعنى الذى ذكرناه، وزعم أن فيها غرضا آخر، وهو مساعد له.
قولهم: إن أبيّا أثبت آية القنوت، وقوله:«ولو أن لابن آدم واديين من ذهب ... »
قلنا هذه الرواية من باب الآحاد فلا تعارض القواطع، ثم إنه ولو كتبها فى المصحف لم يثبت عنه أنها من جملته، وعلى الجملة فما ذكروه أمور خيالية وهمية، ولا تعارض الأمور القطعية.
السؤال الثانى: هب أنا سلّمنا أن آيات التحدى متواترة، فلا نسلّم دلالتها على التحدى، وبيانه هو أنه لو كان الغرض من إيرادها استدلاله بالقرآن على كونه نبيّا لاشتهر ذلك من نفسه كاشتهار أصل نبوته، ولكنه لم ينقل عن أحد من أهل الأخبار، أنه استدل على مخالفيه بالقرآن، ولم ينقل عن أحد ممن آمن به أنه آمن به لدليل القرآن، فعلمنا بذلك أنه ما كان يعوّل فى إثبات نبوته على القرآن، وإذا صح ذلك علمنا أن الغرض بإيراده هذه الآيات ما يذكره كل واحد من الخطباء والشعراء، من الدعاوى العظيمة والافتخارات التى لا حقيقة لها بحال.
وجوابه من وجهين: أما أولا: فلأنا نعلم بالضرورة، أنه كان يغشى محافلهم ويتلو عليهم القرآن، ويقرع مسامعهم، ولا وجه لذلك إلا أنه يتحداهم به ويوجب عليهم طاعته، وهذا أمر ظاهر لا يمكن جحده ولا إنكاره.
وأما ثانيا: فهب أنا سلّمنا أنه لم ينقل ما ذكرناه، ولكنه استغنى بما فى القرآن من آيات