السؤال الثالث: سلمنا وقوع التحدى، ولكن هل وصل خبر التحدى إلى كل العالم، أو إلى بعضه، وباطل أن يكون واصلا إلى كله، لأنا نعلم بالضرورة أن أهل الهند والصين والروم، وسائر الأقاليم البعيدة، ما كانوا يعلمون وجود محمد صلّى الله عليه وسلّم فى الدنيا، فضلا عن أن يقال: إنهم عالمون بتحديه بالقرآن، وباطل أن يكون واصلا إلى بعضهم، لأنهم ولو عجزوا عن المعارضة فإنه لا يكفى فى صحة دعوى النبوة، عجزهم عن معارضته، لأنهم بعض الخلق، وعجز بعض الخلق لا يكون عجزا لجميعهم، وإلا لزم فى بعض الحذاق فى صناعته إذا تحدى أهل قريته، ثم عجزوا عن ذلك، أن يكون نبيا لمكان دعواه، وهذا ظاهر الفساد وهذا يبطل ما ذكرتموه من التحدى بالقرآن.
وجوابه من وجهين: أما أولا فلأنا نعلم بالضرورة أن العرب الذين قرع أسماعهم التحدى، وخوطبوا به «العين للعين» كانوا لا محالة أقدر على معارضته من غيرهم، لاختصاصهم بما لم يختص به غيرهم من سائر الأقاليم من الفصاحة والبلاغة، فلما عرفنا عجزهم كان غيرهم لا محالة أعجز من ذلك لما ذكرناه، وأما ثانيا فهب أن خبر تحدّيه بالقرآن ما وصل إلى كل العالم فى زمانه، لكن لا شك فى وصوله إليهم الآن، مع أنهم لم يعارضوه، وفى هذا دلالة على صحة نبوته، ويؤيد ما ذكرناه أنا نرى من يصنف كتابا فى أى علم كان، ويظن أنه قد أتى فيه باليد البيضاء، فلا يلبث إلا مقدار ما يصل إلى الأقاليم والبلاد، ويحصل بعد ذلك ما يبطله ويدل على تناقضه وضعفه على القرب لأجل شدة الحرص على ذلك، وهذا ظاهر فى جميع التصانيف كلها، فلو كان ثم معارضة توجد للقرآن، لكانت قد حصلت فى هذه الأزمان المتمادية، والسنين المتطاولة، ولا شك فى بلوغه لهذه الأقاليم التى زعمتم، وفى هذا بطلان ما زعمتموه.
السؤال الرابع: سلّمنا تواتره إلى كافة الخلق، لكنا لا نسلم توفر دواعيهم إلى المعارضة، وبيان ذلك بأوجه ثلاثة، أما أولا: فلعلهم اعتقدوا أن المعارضة لا تبلغ فى قطع المادة وحسم الشّغب وإبطال أمره، مبلغ الحرب، فلا جرم عدلوا إلى الحرب، وأما ثانيا: فلأنا لا نمنع أن يكونوا عدلوا إلى الحرب لأنهم لو عارضوا لكان الخلاف غير منقطع بوقوعها، لجواز أن يقول قوم: إنها معارضة، ويقول قوم آخرون: إنها ليست معارضة، ويتوقف فريق ثالث، لالتباس الأمر فيه، فيشتد الخلاف ويعظم الخطب، وفى أثناء ذلك الخلاف لا