كالقلم والدواة، والقرطاس، واليد، وغير ذلك مما يكون شرطا فى الكتابة، ولم يتميز أحدهما عن الآخر إلا بما ذكرناه من العلم بإحكام التأليف، وهكذا حال أهل الحرف والصناعات فإنهم كلهم متمكنون من أصول الصناعات وما تحتاج إليها، كالصناعة للذهبيات والفضيات، والحاكة للديباج، فإن تفاوتهم إنما يظهر فى ما ذكرناه لا غير فإذا عرفت هذا فالعرب لا محالة قادرون على مفردات هذه الكلم، الموضوعة، وقادرون على حسن التأليف لهذه الكلمات، لكنهم غير قادرين على كل تأليف، فإن من التأليف ما لا زيادة عليه فى الإعجاب، وهو المعجز، ومنه ما تنقص رتبته عن ذلك، وليس معجزا، وعلى هذا يكون المعجز إنما كان من جهة عدم العلم بإحكام تأليف هذه الكلمات، فقد ملكوا القدرة على آحادها، وملكوا القدرة على نوع من تأليفها مما لم يكن معجزا، فأما ما كان معجزا من التأليف فلم يكونوا مالكين له فحصل من مجموع ما ذكرناه أن الإعجاز ليس إلا تأليف هذه الكلمات على حد لا غاية فوقه، فإلى هذا يرجع الخلاف، ويحصل التحقق بأن عجزهم إنما كان من جهة عدم العلم بهذا التأليف المخصوص فى الكلام، لا يقال فحاصل هذا الجواب أن الله تعالى لم يخلق فيهم العلم بإحكام التأليف الذى يحتاج إليه فى كون الكلام معجزا، وهذا قول بمقالة أهل الصرفة، فإن حاصل مذهبهم هو أن الله تعالى سلبهم الداعى إلى معارضة القرآن، وأعدم عنهم العلوم التى لأجلها يقدرون على المعارضة، وأنتم قد زيفتم هذه المقالة وأبطلتموها، فقد وقعتم فيما فررتم منه لأنا نقول هذا فاسد فإنا نقول إنهم عادمون لهذه العلوم قبل المعجز وبعده، وأنها غير حاصلة لهم فى وقت من الأوقات فلهذا استحال منهم معارضة القرآن كما قررناه من قبل، بخلاف مقالة أهل الصرفة فإن عندهم أن علوم التأليف كانت حاصلة معهم قبل ظهور المعجز، لكن الله تعالى سلبهم إياها كما مر تقريره، فلهذا كان ما ذكرناه مخالفا لما قالوه.
السؤال الثانى: لو كانت الفصاحة هى الوجه فى كون القرآن معجزا لما كان فيه دلالة على صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تقرر كونه دالا على صدقه فيجب أن لا يكون الوجه فى إعجازه هى الفصاحة، بل الصرفة كما تقول أصحابها، أو وجه آخر غير الفصاحة، وإنما قلنا: إنه لو كان الوجه فى إعجازه الفصاحة لما كان فيه دلالة على الصدق، فلأن الدلالة على الصدق، إنما تقع إذا كانت موجودة من جهة الله تعالى إلا أنه تعالى ليس فاعلا