للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفصاحة من جهة أن الفصاحة المرجع بها إلى خلوص الكلام من التعقيد، والبلاغة ترجع إلى مطابقة الكلام وحسن تأليفه، وهذه كلها مقدورة لنا، ولهذا بطل أن يكون الإعجاز حاصلا بها، فإذن لا بد من أن يكون وجه الإعجاز متعلقا بقدره الله تعالى، لأنه هو المتولى لصدق أنبيائه، فكل ما كان من المعجزات لا يقدر كونه من جهته، فإنه لا يكون فيه دلالة على صدق من ظهر عليه، وإنما قلنا: ٧ ن فيه دلالة على الصدق، وهذا ظاهر لا يمكن إنكاره، فإن القرآن من أبهر الأدلة على صدق صاحب الشريعة صلوات الله عليه، فلو كان وجه إعجازه هو الفصاحة لم يكن فيه دلالة على الصدق، لأن الفصاحة والبلاغة المرجع بهما إلى انتظام الكلام على وجه مخصوص لا مزيد عليه، وما من وجه من وجوه النظم إلا وهو مقدور للعباد بكل حال، وهذا يبطل كونه دالا على صدقه، وقد تقرر كونه دليلا على الصدق، فبطل كون إعجازه هو الفصاحة.

وجوابه أنا قد قررنا أن الوجه فى إعجازه هو الفصاحة والبلاغة مع النظم بما لا مطمع فى إعادته. قوله لو كانت الفصاحة وجها فى إعجازه لما كان له دلالة على الصدق، قلنا:

هذا فاسد فإن النظم وإن كان مقدورا لنا، لكنه قد يقع على وجه لا يمكن كونه مقدورا لنا ولهذا فإن العلم مقدور لنا، والفعل من جنس العلوم، وقد استحال كونها مقدورة للعباد، لما كانت واقعة على وجه يستحيل وقوعه فى حق العباد، فإن جنس الحركة مقدور لنا، وحركة المرتعش وإن كانت من جنس الحركة، لكنها لما وقعت على وجه يتعذر على العباد جاز الاستدلال بها على الله تعالى، فهكذا حال البلاغة، فإنها وإن كانت من قبيل النظم والتأليف. وهو مقدور لنا، لكنه لما وقع على وجه يتعذر تحصيله من جهتنا، كان دليلا على الصدق من هذه الجهة، فحصل من مجموع ما ذكرناه أن القرآن دال على صدق من ظهر على يده، وما ذاك إلا لكونه مختصا بالوقوع من جهة الله تعالى مع كون جنسه من مقدور العباد، وفيه دلالة على صدقه كما نقوله فى سائر المعجزات الدالة على صدقه، وإن لم يكن لها تعلق بمقدور العباد، كإطعام الخلق الكثير، من الطعام اليسير، ونبوع الماء من بين أصابعه، إلى غير ذلك من المعجزات الباهرة له عليه الصلاة والسلام.

السؤال الثالث: هو أن الصحابة رضى الله عنهم لما اهتموا بجمع القرآن بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانوا يطلبون الآية، والآيتين، ممن كان يحفظها منهم، فإن كان الراوى مشهور

<<  <  ج: ص:  >  >>