العدالة قبلوها منه، وإن كان غير مشهور العدالة لم يقبلوها منه، وطلبوا على ذلك بينة، فلو كان الوجه فى إعجازه هو الفصاحة كما زعمتم، لكان متميزا عن سائر الكلام وكان لا وجه للسؤال لما يظهر من التمييز، وفى هذا دلالة على أن وجه إعجازه هو الصرفة، أو غيرها، دون الفصاحة.
وجوابه من وجهين، أما أولا: فلأنا لا نسلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم توفاه الله تعالى ولم يكن القرآن مجموعا، بل ما مات عليه السلام إلا بعد أن جمعه جبريل، وهذه الرواية موضوعة مختلفة لا نسلمها، ولهذا قال لما نزل صدر سورة براءة «أثبتوها فى آخر سورة الأنفال» فما قالوه منكر ضعيف، وأما ثانيا فلأن الاختلاف إنما وقع فى كتب القرآن وجمعه فى الدفاتر، فأما جمعه فمما لم يقع فيه تردد أنه كان فى أيام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا فإن المصاحف قد كانت كثرت بعد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فلما وقع فيه الخلاف، فعل «عثمان» فى خلافته ما فعل من محوها كلها، وكتبه مصحفه الذى كتبه.
السؤال الرابع: هو أن ابن مسعود رضى الله عنه اشتبه عليه الفاتحة والمعوذتان، هل هن من القرآن أو لا، فلو كان الوجه فى الإعجاز هو الفصاحة لكان لا يلتبس عليه شىء من ذلك.
وجوابه من وجهين: أما أولا: فلأن ابن مسعود لم ينكر كونها نزلت من اللوح المحفوظ، وأن جبريل أتى بها من السماء فهن قرآن بهذه المعانى، وإنما أنكر كتبها فى المصاحف وقال هن واردات على جهة التبرك والاستعاذة، فلهذا كن قرآنا بما ذكرناه من المعانى، ولم يكن قرآنا لورودها لهذا المقصد الخاص، وهذا فى التحقيق يؤول إلى العبادة، والمقاصد المعنوية متفق عليها كما ترى، وأما ثانيا فلأن هذا رأى لابن مسعود فلا يكون مقبولا، والحق فى المسألة واحد، فخطؤه فيها كخطإ غيره ممن خالف دلالة قاطعة، ولنقتصر على هذا القدر من الأسئلة ففيه كفاية لغرضنا، واستقصاء الكلام على مثل هذه القاعدة، إنما يليق بالمباحث الكلامية، والمقاصد الدينية، وإن نفس الله لنا فى المهلة، وتراخت مدة الإمهال، ألفنا كتابا نذكر فيه كيفية دلالة المعجز على صدق من ظهر على يده، ونجيب فيه عن شكوك المخالفين بمعونة الله تعالى، فالنية صادقة فى ذلك إن شاء الله تعالى.